المقدمة
الحمد لله الحكم العدل ، أمر بالعدل وجعله وسيلة يقترب بها العبد من تقوى الله وخشيته ، فقال تعالى :
اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى -المائدة 8 – وقال إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ – النحل 90 . وقال وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ- النساء 58 .
والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله وصحابته ومن اتبعه واقتدى به إلى يوم الدين .
وبعد :
فلقد سعدت كثيراً وأنا أبحث في طيات المراجع الإسلامية عن هذا الاتجاه من المواقف في الإفتاء والقضاء والأحكام لأضيفه إلى ما سبق أن قدمته للإخوة والأخوات من الحريصين على هذا الدين وما فيه من عدالة وقيم ومواقف خالدة لرجاله فقد صدر لنا كتاب رجال ومواقف وكتاب نساء ومواقف وكتاب الغزوات والمعارك الإسلامية وكلها مختارات من تراثنا الإسلامي الذي يقف اليوم مناشدا إتباع محمد للسير على دربه واعتزازا بدينه .
إن الإسلام وهو دين العدل والإحسان والمكارم، يعتمد في أحكامه أولاً وأخيرا على القرآن الكريم، قال تعالى : * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ.
فعمل رسول الله بأمر الله ولم يحد عنه قيد أنملة فكان القائد والقدوة في العدل قولاً وعملاً حتى قال حين توسط عنده أسامة بن زيد في حد من حدود الله “ والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها “ .
وقد خَلَف رسول الله من بعده خلفاء أقاموا العدل حتى كان الواحد منهم يشتري مظلمة المظلوم بمبلغ كذا وكذا من الدراهم ليلقى الله وما في صحيفته مظلمة لأحد فتساوى عندهم الملك والمملوك والغني والفقير والكبير والصغير والحاكم والمحكوم ، الكل يأخذ حقه لا تمنعه سلطة ولا يخيفه سلطان فأمن الناس واستقرت أمورهم .
ويذكر التاريخ أيضا رجالاً كُلفوا بالقضاء فتحملوا المسؤولية الجليلة ولم يأبهوا لظالم ، جعلوا من مجلس القضاء منبراً للحق له احترامه لا يتعالى فيه أحد على أحد أجبروا حكاماً لهم سطوتهم وجبروتهم على الحضور بأنفسهم الى مجلس القضاء حتى يأخذوا منهم حق الضعيف .
وعليه فإن غايتي من إعداد هذا الكتاب إظهار هذه المواقف التي يجني منها القارئ علماً وفقهاً وارتباطا بدينه العظيم وأجوبة على الكثير من الأسئلة التي تخطر بباله وتصادفه في هذه المجالات :الأحكام ، القضاء ، الإفتاء .
وهذه الطبعـة الثانيـة من هذا الكتاب أضعها بين يدي القراء بصورة جديدة تتضمن توجيهات رسول الله صلى الله علية وسلم في القضاء ومواقف العدل حكماً وإفتاءً وقضاءً التي حكم أو قضى أو أفتى بها رسول الله صلى الله علية وسلم والخلفاء الراشدون من بعده وفيه نجد أصولاً للأحكام اللاحقة ودليلاً لأصحاب العلم الذين ساروا على هذا الدرب فاقتبسوا منها الكثير من الأحكام التي ما زال المسلمون يعملون بها إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة .ثم نتابع مواقف القضاة والحكام في العصور المختلفة سواء كانت في الإفتاء أو القضاء أو قصصا ذات عبر وقعت معهم .
ونظرا لما لاقاه هذا الكتاب من إقبال من لدن شبابنا ولنفاذ الطبعة الأولى فقد حرصنا على وضع هذه الطبعة الجديدة .
والله أسال أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه تعالى يثيبنا عليه الأجر والجزاء وأن يغفر لنا ما وقع من سهو دون قصد منا ، و أن يثبت قلوبنا على طاعته ويجعلنا من العاملين المخلصين في خدمته .
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ البقرة 286.
فايز موسى أبوشيخة
عمّان 2008
1428هـ