تطبيقات الإنترنت في التسويق

مقدمة
خلال السنوات القليلة المنصرمة مر الإنترنت بعدة مراحل تراوحت ما بين الغموض والاحتكارية إلى مرحلة اليوم حيث أصبح انتشاره واسع النطاق ليتحول إلى حديث الناس في كل مكان. وكان من أبرز نتائج القبول بالإنترنت كتقنية معلومات ذات صفة كونية استخداماته من قبل الأفراد والمؤسسات في مجالات لم يكن أحد يتصورها أو يحسب لها حساباً. وفي مجال الأعمال بالذات صار الشغل الشاغل للمنظمات التسابق بخطى حثيثة لاستخدام قوة وإمكانيات وجدارات الإنترنت لإحداث تغييرات جوهرية في أسلوب ممارسة أعمالها. والواقع أن الإنترنت كوسيلة متكاملة عن السلع والخدمات (صفحات الوب) والاتصالات التفاعلية (البريد الإلكتروني) والتعاملات السوقية (التجارة الإلكترونية) أصبح لا غنى عنه في ممارسة نشاطات الأعمال وبخاصة تلك المتعلقة بالتسويق.
والحقيقة التي يؤكدها واقع الممارسات التسويقية الجارية اليوم وتدعمها الدراسات والأبحاث التجريبية والميدانية أن ثورة تكنولوجيا المعلومات (والذي يعتبر الإنترنت واحداً من أبرز إنجازاتها المبتكرة والخلاقة) تتواصل بوتائر عالية محدثة تحولاً جوهرياً في وظيفة التسويق حتى ليخيل للمرء أن التسويق التقليدي لن يكون له مكان في المستقبل المنظور. فالبصمات التي يتركها الإنترنت على الممارسة والفلسفة التسويقية تفوق من حيث تأثيراتها تلك التي أحدثها اكتشاف الطباعة خلال الثورة الصناعية أو نشوء الراديو والتلفزيون في القرن الماضي.
إن كتابنا هذا يبحث في جوهره وتوجهاته في كيفية استخدام تقنيات وطاقات الإنترنت الهائلة لتحسين الكفاءة والفعالية التسويقية في عصر الاقتصاد الرقمي الذي يتسم بالديناميكية العالية واللامحدودية في اختراق الأسواق التنافسية وصولا لهدف إشباع حاجات ورغبات وتطلعات العملاء على اختلاف أنواعهم ومسمياتهم. فالإنترنت من خلال تطبيقاته في حقل التسويق قد أحدث ثورة حقيقية في فلسفة ومفاهيم التسويق التقليدي خصوصاً وأن آثاره على التسويق قد تعدت التصور. ولا يوجد اليوم مجال أو حيز ضيق واحد من مجالات التسويق لم يدخله الإنترنت فاتحاً ومنقذاً وملاذاً آمناً للمنظمات التي تعي وتقدر دور هذه التقنية الراقية في تحقيق ما تصبو إليه من نمو وازدهار في مجالات أعمالها المختلفة.
وقد جاءت لغة الكتاب مبسطة، لكن متعمقة، تتخللها أمثلة وشواهد ميدانية تضفي طابعاً عملياً وتطبيقياً على منهجية الكتاب. كما جاءت فصول الكتاب متكاملة وموحدة في الاتجاه القائل بأن المعلومات اليوم أصبحت تتبوأ موقعاً رفيعاً باعتبارها تشكل واحداً من أهم عناصر تكوين الثروة. وفي رأينا المتواضع، نرى أن ثورة تكنولوجيا المعلومات هي المنقذ الوحيد لحالة انخفاض إنتاجية التسويق في العديد من منظمات الأعمال شريطة أن تعرف هذه المنظمات كيفية إجادة “اللعبة”. فالفوز في “لعبة” عصر الإنترنت والاقتصاد الرقمي يعتمد على قدرة هذه المنظمات على إحداث نوع من التزاوج الأبدي ما بين المهارات والجدارات التسويقية من جهة وبين قدرات وطاقات تكنولوجيا المعلومات من جهة أخرى.
إن هذا الكتاب يحاول توضيح الكيفية التي يتم من خلالها تحقيق هذا النوع من “التزاوج” أو المزج بما يعود بالنفع الوفير على منظمات الأعمال كافة، وعلى المجتمع برمته.
وقناعتنا الأكيدة أيضاً أن هذا الكتاب سيكون ذو نفع للدارسين والأكاديميين وطلبة المعاهد والجامعات ممن يدفعهم فضولهم إلى التعرف عن كثب على ما أحدثته ثورة تكنولوجيا المعلومات بعامة والإنترنت بخاصة من تغييرات جوهرية على مسار وفلسفة وممارسات التسويق. وأملي كبير بأن الكتاب الذي بين أيديكم سوف يوفر لكل المهتمين، من رجال أعمال وأساتذة وطلاب علم، سبل التحري الصادق والتحليل الواثق لكل ما يواجههم من تحديات ومشكلات والتكيف مع بيئة الأعمال الجديدة بما يحقق أهدافهم المرجوة.
وسأكون ممتناً عظيم الامتنان لكل من يجد في نفسه الرغبة لإغناء هذا الكتاب بطروحاته وملاحظاته وانتقاداته. فالكمال لله وحده سبحانه وتعالى. فإن أخفقت فليّ حسنة المحاولة وإن أصبت فليّ حسنتان.
ومن الله التوفيق.
الدكتور بشير العلاق