المقدمة
منذ النصف الثاني من القرن الماضي والحياة تشهد قفزات، وتغيرّات نوعية متسارعة في المجالات كافة، مما تتطلب إعادة تشكيل الحياة لمواجهة هذه المتغيرات وتسخيرها لما يخدم المجتمع، ولما كان الإنسان يشكل حجر الزاوية في بناء الحياة فإن إعادة تشكيلها لا تمر إلا من خلاله. مما استوجب إعادة النظر في بناء الإنسان وتعديل سلوكه لتلبية متطلبات التطور والتقدم الحاصل في الحياة، وأساس ذلك التعديل هو التعليم. لذلك نال التعليم اهتماماً بالغاً من لدن المعنيين بالتخطيط للحياة في الدول المتقدمة، وقد شكل المدرس محوراً رئيساً في ذلك بوصفه رائد العملية التعليمية والمحور الذي تستند إليه أطرافها.
لذا انصب الجهد في عملية إعداده وتأهيله لأداء مهماته في التعليم بشكل يلبي الحاجات المستجدة ويستجيب لما تدعو إليه الاتجاهات الحديثة في التربية. وحصل عن ذلك ظهور اتجاهات عديدة في إعداد المدرسين، وكان من بين أكثرها انتشاراً برنامج الإعداد القائم على الكفايات الأدائية.
وبموجب هذا الاتجاه لم يعد مقبولاً من المدرس إلمامه بالمادة الدراسية، ولم يعد تمكنه من المادة المعيار المعتمد للحكم على جودة المدرس؛ إنما قدرته على ممارسة معرفته في مجال العمل، وبموجب هذا الاتجاه أصبح مطلوباً من المدرس أن يكون متمكناً من المادة قادراً على أداء مهمات تدريسها. مما اقتضى تحليل مهمات المدرس في التدريس إلى مهمات أصغر وتحديد كفاية لكل مهمة وتمكين المدرس منها.
وبموجب هذا الاتجاه فإن المدرس المؤهل هو ذلك المدرس الذي يمتلك المادة والقدرة والفاعلية اللازمة لأداء مهماته التعليمية. فقد انتقلت النظرة إلى المدرس المؤهل من مدرس يمتلك المعلومات التعليمية إلى مدرس يمتلك القدرة على أداء مهمات التعليم المختلفة، ومعيار ذلك الأداء قدرته على مساعدة المتعلمين، وتمكينهم مما يريدون تعلمه. ومن خصائص هذا الاتجاه إنه يدعو إلى تحديد الكفايات المطلوب أداؤها من المدرس، ويشدد على الأهداف التعليمية وتحديد المسؤولية. ويشدد على تنمية مهارات التعلّم الذاتي، ويرتبط بالتعلم الإتقاني وتفريد التعليم.
والبرنامج القائم على الكفايات ليس طريقة تدريس؛ إنما هو برنامج إعداد يستند إلى تحديد الكفايات التدريسة بدقة ووضوح وتعريف المدرس بها كي يكون على بينة مما مطلوب منه في مجال مهنته فيساعده ذلك على توجيه مسار عمله وإعداد نفسه ذاتياً للتمكن من تلك الكفايات، ولأن أغلب المؤسسات التربوية المعنية بإعداد المدرسين ما زالت تعتمد الأسلوب التقليدي في إعداد المدرسين فقد وجد المؤلف أن مدرسي اللغة العربية بهم حاجة إلى معرفة الكفايات الأدائية اللازمة لأداء المدرس في تدريس كل فرع من فروع اللغة العربية ليطلعوا على ما هو مطلوب منهم أداؤه في تدريس اللغة العربية والاستفادة من تلك الكفايات كمؤشرات ودلالات ومنبهات حول ما هو مطلوب منهم فعله في الدرس. فيعدون أنفسهم ذاتياً لأداء ذلك،. فعندما تحدد الكفايات الأدائية المطلوبة في التدريس بدءاً من التخطيط وانتهاءً بالتقويم فإن ذلك سيكون موجهاً لسلوك المدرس في التدريس. زيادة على أن تحديد الكفايات الأدائية يمكن المدرس من تقويم عمله ذاتياً من خلال الاحتكام إلى ما جاء في تلك الكفايات.
وتأسيساً على ما تقدم فقد سعى المؤلف إلى تحديد الكفايات الأدائية اللازمة لأداء المدرس في تدريس فروع اللغة العربية المختلفة من خلال تحديد مهمات المدرس في تدريس كل فرع من فروع اللغة العربية وتحليلها، وطريقة تدريس المادة وأهدافها وما توصلت إليه البحوث والدراسات في مجال الكفايات وما أشارت إليه الأدبيات. فحدد الكفايات الأدائية اللازمة لتدريس كل من: القراءة والإملاء والقواعد والإنشاء، والأدب والبلاغة، وصمم درساً تطبيقياً في ضوء تلك الكفايات لكل فرع من فروع اللغة العربية، وقد جعل كتابه -تدريس اللغة العربية في ضوء الكفايات الأدائية- في سبعة فصول:
الفصل الأول : المعلم في التدريس وتناول فيه أركان العملية التعليمية ودور المعلم في التعليم، وحال درس العربية والحاجة إلى تطوير مدرسيها واتجاهات إعداد المدرس.
الفصل الثاني :كفايات التدريس. وتناول فيه مفهوم الكفاية، وأنواع الكفايات، وابعادها، وبرنامج إعداد المدرسين القائم على الكفايات، وأسباب ظهور حركة الكفايات، ومصادر اشتقاق الكفايات، ومجالات إعداد المدرس في ضوء الكفايات، ومهمات التدريس، والكفايات الأدائية العامة في ضوء تحليل مهمات التدريس. وكيفية استفادة المدرس من معرفة الكفايات في التدريس وتقويم الأداء.
الفصل الثاني : تدريس القراءة، وتناول فيه أهمية القراءة، وأهدافها وكيفية معالجة عيوبها ومشكلاتها، وما يفعله المدرس في درس القراءة، والكفايات الأدائية اللازمة لتدريس القراءة وتصميم درس القراءة في ضوء الكفايات الأدائية.
الفصل الرابع :تدريس الإملاء، وتناول فيه مفهوم الإملاء، وأهميته وأهدافه، ومهاراته وصعوباته، والأخطاء الإملائية الشائعة وأسبابها، ومقترحات علاجها، وما يفعله المدرس في درس الإملاء والكفايات الأدائية اللازمة لأداء المدرس في تدريس الإملاء وتصميم درس ألإملاء في ضوء الكفايات الأدائية.
الفصل الخامس :تدريس القواعد، وتناول فيه أهمية القواعد وأهداف تدريسها، وضعف المتعلمين فيها وسبل معالجة ضعفهم، والطرائق الحديثة المستخدمة في تدريس القواعد وما يفعله المدرس في تدريس القواعد والكفايات الأدائية اللازمة لتدريس القواعد ثم تصميم درس القواعد في ضوء الكفايات الأدائية.
الفصل السادس : تدريس التعبير، وتناول فيه أهمية التعبير وأنواعه وكيف يكون درس التعبير فعالاً، وأدوار المدرس في درس التعبير والكفايات الأدائية اللازمة لدرس التعبير وتصميم درس التعبير في ضوء الكفايات الأدائية.
أما الفصل السابع ففي تدريس الأدب والبلاغة وقد تناول فيه مفهوم الأدب ومكانته وتحديد الكفايات الأدائية اللازمة لتدريس كل من المحفوظات والنصوص الأدبية، وتاريخ الأدب ثم تصميم درس في تاريخ الأدب في ضوء الكفايات الأدائية، وعرض مفهوم البلاغة وأهميتها وأسس تدريسها وما يفعله المدرس في تدريسها، والكفايات الأدائية اللازمة لأداء المدرس في تدريس البلاغة، ثم عرض تصميم درس البلاغة في ضوء الكفايات الأدائية.
إن المستهدف بهذا الكتاب هم مدرسو اللغة العربية وطلبة أقسام اللغة العربية في كليات التربية والآداب ممن يسعون إلى اتخاذ تدريس اللغة العربية مهنة ورسالة في الحياة، آملاً أن أكون أسهمت بما يقدم خدمة للغتنا العربية لغة القرآن التي خصت بالفصاحة والبيان.
المؤلف
عمّان 20 حزيران 2006
