المقدمة
يشكّل علم الانثروبولوجيا التربوي اليوم مجالا مهمًا في التعليم؛ إذا يتّسم بالتنوع والتعددية، حيث لا يمكن لأية نظرية تربوية الادعاء بأنها تستطيع، وبشكل منفرد إنتاج المعرفة الأساسية اللازمة للتعليم، وينطبق ذلك أيضًا على علم الانثروبولوجيا الذي لم يُعدّ هنالك وجود لما يُسمى بالأنثروبولوجيا المعيارية التي تعتمد على الحقيقة الشاملة للأيدولوجيات، بل على العكس، فالمعرفة الانثروبولوجية بشكل عام هي بالضرورة معرفة متعددة ومتغايرة، ولذلك فان علم الانثروبولوجيا التربوي مقيد بأن يكون نسبيًا جزئيًا، وانتقاليًا محدداً.
وتلعب المعرفة الانثروبولوجية دورًا مهما في كل من مجالي العلم التربوي والتعليم العملي، فالباحثون والتربويون والموجهون يمتلكون كمًا معينًا من المعرفة الانثروبولوجية التي لا يمكنهم العمل من دونها، وتتواجد المعرفة الانثروبولوجية الضمنية في العمل ضمن سياقات مختلفة، وكما هو الحال في جميع أنواع المعرفة، فإن المعرفة الانثروبولوجية تتحدى الأفكار الصريحة، كونها تتطور فقط وبشكل تدريجي ضمن مسار العملية الطويلة للعمل. لذلك، فمن الضروري لكل من يعمل بالعلم التربوي، ومن يزاول مهنة التعليم معرفة أن المسلمات الانثروبولوجية التي يستند عليها عملهم يجب تدريسه وتوضيحه، ولتحقيق هذا الأمر، لابدّ لحقل التعليم أن يتبنّى موقفًا انثروبولوجيًا.
وتعمل الانثروبولوجيا التربوية وفق سياق مزدوج من التاريخ والثقافة، فهي من جانب تعمل من أجل كشف المعرفة، ومن جانب آخر تعمل من أجل أولئك الذين يعتمدون على المعرفة التي يتم انتاجها ضمن سياق معين، وإن هذا الازدواج بين التاريخ والحضارة يجعل المحتوى الواقعي للأنثروبولوجيا أمرًا نسبًيا، إلا أنه و في الوقت نفسه، الارتباط المستمر بالزمن يؤدي لظهور وجهات نظر جديدة تؤكد على حقيقة مفادها عدم وجود شيء صحيح بحد ذاته، وبشكل منفرد، ولكن يؤكد على وجوب اعتبار المعرفة وبشكل دائم متعلقة بسياق معين.
إن المعرفة الانثروبولوجية أمر نسبي، ولا يوجد هناك نظام مضمون للمراجع، أو أي مكان لما يعرف بالأنثروبولوجيا المعيارية، وعليه فإنه لا يمكن النظر الى المعرفة الانثروبولوجية بأنها تختلف عن بقية التخصصات الأخرى المتعلقة بالعلم التربوي، ويمكن تبرير هذه المساواة في المكانة كون الرابط بين الانثروبولوجيا التربوية مع غيرها من العلوم الاجتماعية أصبح مبهمًا، وغير واضح المعالم، حيث لا ترتبط الانثروبولوجيا التربوية بموضوع معين، ولا يمكن تعريفها بشكل واضح.
علاوةً على ذلك, فإن الانثروبولوجيا التربوية تنتج أسئلة ووجهات نظر وسمات جديدة ضمن التعليم، إذ كانت نهاية الفترة الزمنية التي سادت فيها النظم الانثروبولوجية منغلقة على نفسها، وقد فسحت المجال لظهور فرص جديدة تقود إلى صنع أهداف جديدة.
وقد ظهرت بعض وجهات النظر الجديدة نتيجة تقاطع علم الانثروبولوجيا مع غيره من التخصصات الأخرى المرتبطة بالعلوم التربوية، والتي يعبر عنها بما يأتي:
أصبحت الانثروبولوجيا التربوية تُعرف بالأنثروبولوجيا التاريخية والحضارية للتعليم، والتي تأخذ بعين الاعتبار البُعدين الثقافي والتاريخي للباحث وغرضه من البحث، ومازالت الانثروبولوجيا التاريخية والحضارية للتعليم تسعى لربط وجهات نظرها، وأساليبها مع وجهات نظر، وأساليب هدفها أو غرضها.
إن هدف الانثروبولوجيا التاريخية والحضارية للتعليم الآن لا يعتمد على بحث الإنسان أو الطفل كمخلوقات كونية فحسب، بل بالاستقصاء عن أفراد حقيقيين وأطفال ضمن سياقات تاريخية وثقافية محددة، وانطلاقًا من وجهة النظر هذه، فإن فكرة وجود المفهوم الذي قد يشمل بشكل ما الإنسان ككل، سيفقد ذلك المفهوم قيمته، ولا تقتصر الانثروبولوجيا التاريخية والحضارية للتعليم على حقب زمنية أو حضارات معينة، فعندما يقوم هذا التخصص بإبراز جوانبه الحضارية والتاريخية، فإنه قادر نظريًا من التغلب على المركزية-الأوروبية في العلوم الإنسانية، والمصالح التاريخية الخالصة في التاريخ، فهو منخرط في مشكلات الحاضر والمستقبل التي لم يجد لها حل.
وتهدف الانثروبولوجيا التربوية من جانب لنقد الأوهام المتعلقة بقوة أو ضعف التعليم، ومن جانب آخر للكشف عن التوتر القائم بين احتمالية الكمال البشري، وصعوبة التغير البشري، وبالتالي لاستعراض احتماليات التعليم ومحدداته، وتؤدي هذه الوظائف إلى تركيز معين على الإبداعات البشرية، والتي بدورها تركز على فحص، وكشف المحددات البيولوجية والاجتماعية والحضارية لعملية التطور البشري التي تشكّل التعليم، ولقد أصبحت في السنوات الأخيرة محددات الابداع البشري جلّية للعيان أكثر من ذي قبل، حيث تتجلّى في تعابير متداولة؛ مثل: (محددات النمو)، و(مجتمع المجازفة)، ويبدو أن الزيادة في أنسنة العالم تجري بشكل متوازٍ مع خطورة تدميره.
ويجب على الانثروبولوجيا التربوية أن تضم لمفهومها الذاتي ما يُسمى بالنقد الانثروبولوجي, الذي يتمحور حول فاعليتها ومحدداتها، بحيث يطبق هذا الأمر مثلًا على التبسيطات التي تتضمنها المقارنات الانثروبولوجية التقليدية ما بين الإنسان والحيوان، كما يجب عليه أيضًا أن يأخذ بعين الاعتبار الأخطاء الناجمة عن التباين الشائع بين الطبيعة والحضارة. وعلاوةً على ذلك، يجب على النقد الانثروبولوجي أن يكون مخصصًا لتجنب الاختزالات الموضوعية للإنسان، حيث يقوم النقد الانثروبولوجي باختبار المفاهيم والنماذج والاساليب المركزية للأنثروبولوجيا التربوية، وإبراز شروط شرعنة المعرفة الصادرة في هذا المجال.
تم إضافة “القيادة والإدارة التربوية” إلى سلة مشترياتك. عرض السلة
انثربولوجيا التعليم-التعليم من منظور جديد والتعليم الثقافي المعولم والمحاكاة التربوية ( مترجم عن الالمانية )
$17.50
عدد الصفحات: 254
سنة الطبع: 2020
نوع التجليد: كرتونية
رقم الطبعة: 1
لون الطباعة: ابيض
القياس (سم): 17×24
الوزن (كغم): 0.395
الباركود: 9789957186739
| الوزن | 395 جرام |
|---|---|
| الأبعاد | 17 × 24 سنتيميتر |
التصنيفات: التربية و علم النفس, المناهج وطرق التدريس
الوصف
منتجات ذات صلة
أساليب تدريس قواعد اللغة العربية
$15.00
أصول التربية
$20.00
استراتيجيات تدريس اللغة العربية – أطر نظرية وتطبيقات عملية
$20.00
استراتيجّيات التدريس البصري في تنمية التعبير الكتابي
$15.00
التعليم الإلكتروني E-LEARNING
$10.00
الخرائط الذهنية والمفاهيمية في تنمية التفكير الناقد
$15.00
القيادة والإدارة التربوية
$20.00
طرائق التدريس(منهج – أسلوب – وسيلة)
$15.00
