المقدمة
إن مفهوم التاريخ يرتبط به عدة مفاهيم منها فلسفة التاريخ التي تحاول أن تذهب بعيداً ما وراء مصطلع وفكرة التاريخ أي البحث عن ماهية التاريخ هل هو أدب أم فكر أم علم، ثم إن فلسفة التاريخ تذهب إلى أطوار هذهِ الفلسفة وكيف وضع الفلاسفة الغربيون والعرب المسلمون نظرياتهم وتصوراتهم حول ماهية التاريخ ونظرتهم له كعلم أو أدب وهل تصنعه الأحداث أم الأشخاص أم تصنعه إرادة إلهية، وبهذه الإشكاليات ينطلق هذا الكتاب في دراسة فلسفة التاريخ مع الأخذ بنظر الاعتبار أن فصول هذا الكتاب كتبت أساساً لدراسات أو قراءات وتأملات في مادة فلسفة التاريخ، توجه أساساص لطلبة الدراسات الأولية في أقسام التاريخ بالجامعات العربية حيث تُدّرس هذهِ المادة المهمة في مناهج الأقسام التاريخية.
يتضمن الكتاب خمسة فصول أساسية ومقدمة وخاتمة وقائمة بأبرز المصادر والمراجع، ويتناول الفصل الأول مفهوم التاريخ وفلسفة التاريخ من حيث تعريف بماهية التاريخ والفلسفة والمدارس الفلسفية والعلاقة بين التاريخ والعلم، وماهية فلسفة التاريخ، والتدوين التاريخي عبر التطور من الهنود واليابانيين والصينيين والرومان واليونانيين والمسيحية ونظرتها للفلسفة ثم نظرة المسلمين إلى الفلسفة التاريخية.
في الفصل الثاني نتناول النزعة التاريخية الأوروبية الحديثة وفيه نتحدث عن أبرز الفلاسفة أمثال جيوفاني فيكو، وفولتير وجوهان هيردر، وليوبولدرانكه، وكروتشه وكونجورد، وهؤلاء الفلاسفة وضعوا أُسس تقدم الحضارة والفلسفة الأوربية في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادييين.
أما الفصل الثالث فهو يتحدث عن التفسيرات المثالية والمادية لفلسفة التاريخ وماهية التاريخ والتي جسدّت أفكار ورؤى الفلاسفة والمفكرين الغربيين والمسلمين (خاصة ابن خلدون)، وهذه التفسيرات هي التفسير الخرافي أو الأسطوري للتاريخ، والتفسير الديني للتاريخ والذي تناول التاوية والكونفوشيوسية والبوذية والزرادشتية والهندوسية والمسيحية ونظرة الإسلام. ثم التفسير البطولي للتاريخ ورأي توماس كارليل، والتفسير الجغرافي للتاريخ ورؤية ابن خلدون، ثم النظرية العنصرية للتاريخ التي تؤكد على الفرد أو العنصر من فيخته ونيتشه وشبنجلر، ثم التفسير النفسي أو الجنسي للتاريخ ونظرية النفساني المعروف فرويد حول الفرد والتاريخ، واميل دوركهايم في هذا الخصوص، ويتبعه التفسير المثالي للتاريخ ونظرية هيجل، والتفسير المادي الاقتصادي للتاريخ.
ثم الفصل الرابع وهو عن التفسيرات الحضارية للتاريخ والتي تؤكد على أهمية العامل الحضاري في فهم حركة التاريخ أي مرور التاريخ في مراحل التطور الحضارية من البداوة إلى التحضر ثم التمدن وننطلق فيه من الاجتماعي المسلم ابن خلدون صاحب نظرية البداوة والحضارة في القرن الرابع عشر الميلادي مروراً إلى فيكو الإيطالي الذي تأثر بأفكار ابن خلدون، ومن ثم شبنجلر الألماني صاحب فكرة قيام وسقوط الحضارات ثم الإنجليزي المعروف والمؤرخ آرنولد توينبي صاحب نظرية التحدي والاستجابة في إطار الحضارات، وأخيراً حاولنا دراسة الاجتماعي العراقي علي الوردي الذي وضع في السياق نفسه نظرية عن الحضارة والبداوة في كتبه القيمة المعروفة.
أما عن الفصل الخامس فهو عن نظرية حديثة ظهرت في مفهوم فلسفة التاريخ ترتبط بمسألة الرأسمالية ونهاية التاريخ برؤية أمريكية غربية انطلقت من فرانسيس فوكياما وانتهت بنظرية صراع الحضارات Clashofcivil cations لصموئيل هنتنغتون التي يُبشر بها اليوم في إطار المواجهة بني الشرق (الإسلام) والغرب.
إن هذا الكتاب هو ثمرة دراسة وبحث وقراءة امدت زُهاء عشرون عاماً من عملي في كلية الآداب بجامعة الموصل ثم استكمال ذلك في كلية الآداب بجامعة بغداد، وانتقالي للعمل في الأردن (2002-2004) ثم في جامعة عمر المختار في الجماهيرية الليبية (2004-2005) ولا زلت، فهو إذن ثمرة دراسات معمقة لا أنسى فيها فضل الأساتذة الدكتور غانم محمد الحفو (جامعة الموصل) الذي زرع بذور محبة الفلسفة عندما كنت طالباً شاباً هناك، ولا يمكن أن ننسى جهود نخبة من الفلاسفة العرب الذين كتبوا في هذا الموضوع من قبل وفي مقدمتهم (المرحوم) الأستاذ الدكتور أحمد محمود صبحي (جامعة الإسكندرية)، والأستاذ الدكتور هاشم الملاح، والأستاذ الدكتور عماد الجواهري (جامعة الموصل) وغيرهم ممن أسهموا في تقديم المعرفة الفلسفية التاريخية للمكتبة العربية.
إني لا زلت أؤمن أن الواجب العلمي والإنساني يتطلب مني أن أقدم الجديد من الكتابة التاريخية للقارئ والدارس العربي برؤية جديدة ولهذا وضعت ثمانية كتب جامعية تاريخية إسلامية وحديثة في التعليم الجامعي، وأسأل الله والتوفيق والسداد.
الدكتور مفيد الزيدي
جامعة عمر المختار –كلية الآداب