المقدمة
اقترن ظهور الدولة الحديثة بوجود دستور يتم اقامته بطرق ديمقراطية من قبل سلطة تعبر عن الارادة الوطنية للشعب ، ويكون المرجع الأسمى للدولة يحدد هويتها وملامحها ويمنح نظامها السياسي شكله العام ، ولا يعتد على هذا الاساس بالدساتير التي تكتب تحت سلطة غير شرعية.
والوضع الدستوري الذي نشأ في العراق بعد الاحتلال الامريكي سنة 2003كان وضع فريد في نوعه بين نظم دول العالم ، لعبت به التشريعات الدستورية دورا اساسيا في تدمير البلد من خلال نصوص ساهمت في تقويض اركان الدولة ، وانتهاك ثوابت وطنيتها ،وتشظي مقومات وحدتها واستباحة حرمة قيمه ومسخ معالم ثقافته واهدار شواهد تاريخه.
في ظل الاحتلال الامريكي قام كيان جديد سمي مجازا من قبل المحتلين والمتعاونين معه من الذين جاءوا مع قوات الاحتلال ب ” الدولة العراقية الجديدة ” وهو كيان ولد باركان مشوهة تعاني من خلل سواء فيما يتعلق بركن الإقليم او الشعب او السلطة.
ووضع النظام الجديد وثيقتين دستوريتين احداهما مؤقتة والاخرى دائمة افتقدتا للخطاب الوطني والاسس الوطنية التي يفترض ان تقوم الدولة على اساسها وينشأ نظامها السياسي بموجبها وجاءت خطوطهما الرئيسية ترجمة لاتفاقية نقل السلطة المعقودة بين سلطة الاحتلال ومجلس الحكم الانتقالي وادت الى نشوء اشكالية معقدة في العراق .
فتم اولا تشريع قانون لإدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية سنة 2004 وهو تشريع ” ذو طبيعة دستورية ” ، اريد به تنظيم مؤسسات الحكم خلال المرحلتين المؤقتة والانتقالية ،ولكنه في نفس الوقت ، احتوى على خيارات مستقبلية للنظام السياسي القادم عبرت عن ارادة المحتل والمتعاونين معه من بعض العراقيين وشكلت الخطوط الرئيسية لهذا القانون وهي خيارات مسبقة فرضت على الدستور الذي اقيم سنة 2005 ولا تعبر عن الارادة الوطنية للشعب العراقي وهاتين الوثيقتين في الواقع تعد كارثة دستورية عراقية .
ورغم مرور مدة على إقامة دستور سنة 2005 الا انه عجز عن تحقيق الاستقرار في البلاد ، وذلك دليل على خلل في اسلوب اقامته واخفاق مضمونه عن تلبية طموحات الشعب بقيام مؤسسات دستورية قادرة على ارساء الديمقراطية وتوفير حياة كريمة للمواطنين. لان واضعوه لم يتجردوا من ميولهم الطائفية والعرقية ، ولم يكونوا مختارين أصلا وفق مبدأ الأكفأ والأفضل في تمثيل المواطنين على اسس ومعايير المواطنة وانما وفق أسس طائفية وعرقية ، كما لا يمكن ان تختفي لمسات المحتل في صياغة ومحتوى هذا الدستور وبالأخص في اعتماد سياسة فرق تسد الاستعمارية.
ان الدساتير التي استطاعت ان تؤسس انظمة ديمقراطية راسخة في العالم هي تلك الدساتير التي توجهت الى شعوبها بلغة المواطنة وابتعدت عن مخاطبتهم بلغة المكونات المذهبية والعرقية.
لقد عمل الدستور الجديد على تفكيك المجتمع العراقي الموحد وإعادة بنائه على اسس طائفية وعرقية ولعل وصف وزير الخارجية الامريكية الاسبق هنري كيسنجر لهذا الدستور كان دقيقا حين قال ” بأنه وصفة مثالية لزعزعة الامن الوطني في العراق ” . ان هذا الدستور كان في الواقع على اسوء ما يكون وشكل نقطة سوداء في تاريخ العراق.
اما ما يتعلق في أركان الكيان الجديد الذي سمي مجازا بدولة العراق؛
– فـإقليم الدولة لم يعد موحدا بدعوى تطبيق فدرالية الأقاليم من دون توفر الأسس والمتطلبات المنطقية لتطبيقها والتي تحولت الى مشروع تقسيم للعراق، بعد استفتاء اقليم كردستان على الانفصال عن العراق ، وربما هذا الحدث سيحفز اخرين للإقدام على هذا التصرف لوجود النوايا لديهم اصلا في الدعوة لإقليم سني واخر شبعي ، كما ان حدود الدولة اضحت مستباحة من كل جهاتها.
– وشعب الدولة الذي يفترض ان يقوم على اسس الرابطة الوطنية استعيض عنه بمكونات عرقية ودينية ومذهبية ومناطقية متشرذمة.
– وسلطة الدولة لم تعد تتمتع بالسيادة سواء الداخلية او الخارجية فتعددت الجهات التي تمتلكها وتمارسها متمثلة بمرجعيات دينية وأحزاب سياسية وكتل تحت مسميات عديدة تمارس اوجه عديدة من السيادة الداخلية والخارجية وتتخذ معظمها مليشيات مسلحة تفرض سطوتها وارهابها بواسطتها مما انهى هيبة السلطة وستتحول مدن العراق الى دويلات مذهبية واثنية .
أن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الاوضاع التي اعقبت إقامة دستور 2005 دليل على فشل دستور سنة 2005( الدستور الكارثة) في اقامة الحياة الدستورية نتيجة ما احتواه من أفكار عنصرية وطائفية غامضة في أن يكون دستور يصلح لبناء دولة عراقية مستقلة لها كيانها وتتمتع باحترام شعبها والعالم فكان هذا الدستور في الواقع دستور تدمير العراق.
ان تبديل شكل الدولة من دولة بسيطة الى دولة فدرالية دون وجود مبررات منطقية في كون هذا الشكل لا يتلائم مع الواقع العراقي هو من العوامل التي رافقت قيام ما يسمونه “بالعراق الجديد” مما جعله كيان فاقد الهوية ولم يعد للدولة من وجود ، كما ان نظامه البرلماني قد طبق تطبيقا مشوها للقواعد البرلمانية وتحول الى نظام فوضى ومهاترات .
يتبين من هذا ان العراق فعلا يحيا اشكالية دولة واشكالية دستور معا وهذا ما سنتناوله من خلال دراسة الاوضاع الدستورية للعراق في مرحلة ما بعد الاحتلال الامريكي بل هو يحيا كارثة دستورية .
مما يطرح فعلا التساؤل هل ان العراق بعد الاحتلال يحيا اشكالية دولة نجم عنها دستور مشوه ام اشكالية دستور نجم عنه دولة مشوهة الاركان .
ان الشكل الجديد للكيان الذي يسمى “دولة العراق” و”الدستور الكارثة” الذي وضع يشكل في الواقع حالة انعدام الدولة بكل اشكالها وتسبب في فوضى عارمة في كل مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية غير المسيطر عليها وفلتان امني وفقدان لأي آليات لضبط المجتمع والسيطرة على سلوكه الهدام المشبع بالجريمة بكل اشكالها، يسودها عدم وجود تنسيق وانسجام بين مراكز القوى وغياب القوانين التي تضبط سلوك المجتمع، ونتيجة لذلك نشأ في العراق وضع في ادنى مستويات التمدن والتحضر بكل المقاييس، مما ادى الى انهيار النظام الاخلاقي للمجتمع العراقي وقيمه الحضارية العريقة وكان لمعظم التنظيمات والاحزاب السياسية دور كبير في اشاعة هذه الظواهر المدانة.
تم إضافة “دور الدروز السياسي في سوريا 1920- 1946” إلى سلة مشترياتك. عرض السلة
-11%


الكارثة الدستورية – دراسة في الشوؤن الدستورية العراقية
$22.50 السعر الأصلي هو: $22.50.$20.00السعر الحالي هو: $20.00.
عدد الصفحات: 350
سنة الطبع: 2018
نوع التجليد: كرتونية
رقم الطبعة: 1
لون الطباعة: ابيض
القياس (سم): 17×24
الوزن (كغم): 0.648
الباركود: 9789957186586
الوزن | 648 جرام |
---|---|
الأبعاد | 17 × 24 سنتيميتر |
التصنيف: العلوم السياسية
الوصف
منتجات ذات صلة
أي مستقبل للغات؟ الآثار اللغوية للعولمة
$10.00
الحركة الديمقراطية في الاردن في عهد الملوك الثلاث 1928-1958
$17.50
السياسات الاجماعية الدولية
$27.50
السياسة الخارجية الامريكية تجاه منطقة شمالي افريقيا بعد الحرب الباردة
$17.50
بناء السلام في مجتمعات النزاع – دراسات في تجارب المحلي وإعادة تأهيل المجتمعي
$17.50
دور الدروز السياسي في سوريا 1920- 1946
$12.00
علم السياسة المفاهيم – الأسس – الدولة
$25.00