المقدمة
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على مَنْ رفعت به البلاغة لواءَها، وشدّت به الفصاحةُ نصابها، وعلى آله الهادين، وصحبه الذين شادوا الدين، وسلّم وبارك، وبعد:
فالعروض هو علم موسيقى الشّعر، وتتحقق هذه الموسيقى في الشعر في جوانب عدّة، أهمها: الوزن والقافية، ولذا فإنّ موضوع علم العروض الرئيس هو البحث في الوزن والقافية، ودور كلّ منهما في تحقيق النغم عند قراءة الشعر أو إنشاده أو سماعه. وتتمثل الصّلة بين الموسيقى والشعر في الجانب الصوتي، فالموسيقى تقوم على تقسيم الجمل إلى مقاطع صوتية تختلف طولاً وقصراً، أو إلى وحدات صوتية وفق نسق مُعينّ بصرف النظر عن بداية الكلمة ونهايتها، فقد ينتهي المقطع الصوتي أو التفعيلة في آخر الكلمة، وقد ينتهي في وسطها، وقد يبدأ من نهاية كلمة وينتهي ببدء الكلمة التي تليها وهكذا…
فالصّلة بين الموسيقى والشعر هي صلة التلازم، صلة الفرع من الأصل، فالعروض في حقيقته ليس إلا ضرباً من الموسيقى اختص بالشّعر. وإذا كان للموسيقى عند كتابتها رموز خاصة تدل على الأنغام، فللعروض كذلك رموز خاصة به في الكتابة، وهذه الرموز تُسمّى التفعيلات التي هي بمثابة أنغام الموسيقى المختلفة. والكتابة العروضية تقوم على مبدأ: ما ينطق يُكتب، وما لا ينطق لا يكتب.
وإذا كان وضع علم العروض لضبط القوالب الموسيقية في الشّعر، وبيان ما يجوز أن يدخل أجزاء هذه القوالب من زيادة أو نقص لا يختل به النغم، وما يمتنع عن ذلك، فقد وضع علماء العروض أيضاً علم القافية؛ لبيان ما يلتزم به الشاعر في أواخر أبيات القصيدة من لوازم، حتى يكون لها نظام واحد، فلا تضطرب موسيقاها، ولا يفسد ترتيبها.
والأمر اللافت للنظر في علم العروض والقافية، هو كثرة المصطلحات التي قد تصل إلى أكثر من مائتين وخمسين مصطلحاً، فكلّ حركة، وكلّ حذف، وكلّ زيادة… إلخ، لها تسمية خاصّة بها يُطالب الطالب بمعرفتها، وهذا ليس من أصول التربية في شيء، فحفظ المصطلحات دون تمثّل معناها، حتى لو تمثّل معناها، ليس فيه كبير فائدة، وجميل بالمدرس أن ينأى عن أكثر هذه المصطلحات.
فدراسة العروض ينبغي أن تكون دراسة عملية تطبيقية حتى ترسخ في ذهن الطالب، وتصبح جزءًا من إحساسه الفطري، وأن ينشد مع طلبته الأمثلة المكتوبة في بداية دراسة كلّ بحر، وأن يوقّعها مع طلبته على نغمة البحر المعروفة، أو يستمعوا إليها مسجلّة حتى يعتادوا إلفها. وبعد ذلك يمكن للمدرس أن يشرع في تقسيم البيت إلى تفعيلاته.
جاء هذا الكتاب الذي وسمته بـ “العروض التطبيقي” دانياً من عقول الطلبة وأفهامهم، وتوخيت فيه السهولة واليسر، وإيجاز قواعده، وكثرة شواهده المحلولة وغير المحلولة. عرضتها بأسلوب شائق جميل حتى يقبل الذين يتهيّبون العروض على قراءته، والإفادة منه.
وأمّا الهدف الذي من أجله وضع فهو:
– إدراك العلاقة التلازمية بين الشّعر والموسيقى.
– إتقان قراءة النص الشعري قراءة صحيحة، وإدراك مواطن الخلل.
– إكساب الطلبة مهارة التقطيع الشعري، وتحديد التفعيلات، ووصف أحوالها.
– تفهم حركة الشعر الحديث، واعتمادها على تفعيلات الخليل بن أحمد.
– تعّرف القافية ونوعيها وحركاتها وحروفها، وتحديدها عند كلّ من الخليل والأخفش.
وأمّا الخصائص التي يحملها هذا الكتاب، فمنها:
– بسط قواعد علمي العروض والقافية بسطاً وظيفياً تطبيقياً بعيداً عن القواعد النظرية، والمصطلحات الكثيرة التي لا وجود لها في وقتنا الحاضر.
– الحرص الشديد على إزالة جفاف وصعوبة هذا العلم الذي ينفر منه الطلبة.
– إبراز الشواهد على كلّ بحر حتى يسهل فهمه وهضمه.
– إبراز التمرينات المحلولة عقب كلّ بحر أو عنوان، ليسهل تطبيق هذه المادة، والانصراف عن كثير من المصطلحات.
– وضع ملاحق في آخر الكتاب تتضمن جداول بالمصطلحات العروضية، ومصطلحات القافية – للمعرفة فقط – وألواناً من الأسئلة المختلفة والمتنوعة تشتمل موضوعات العروض كلّها، منها ما هو محلول وآخر غير محلول. فالكتاب يزدحم بالأسئلة التطبيقية، كي ترسخ قواعد هذا العلم في الذهن.
يأتي هذا الكتاب لينضم إلى كتب كثيرة في هذا المجال، كلّ منها له سمتُهُ وأسلوبه، وقد أفدت منها، ومن دواوين الشعر قديمها وحديثها في وضع هذا الكتاب.
وأنوّه إلى أنّ هذا الكتاب ترتيبه الحادي عشر ضمن سلسلة وسمتها بـ “سلسلة الطالب الجامعي”، التي شملت عدداً من الكتب المنهجية الجامعية التي تعين الطالب الجامعي تعرف لغته من جوانبها المختلفة؛ الأول وُسِمَ بـ “مهارة القراءة للطالب الجامعي، بالاشتراك مع الدكتور رائد عكاشة. ووسم الثاني بـ “الصرف الوظيفي”. ووسم الثالث بـ “النحو الوظيفي”. ووسم الرابع “بالبلاغة العربية”. ووسم الخامس بـ “مقدمة في اللسانيات”. ووسم السادس بـ “الترقيم والإملاء الوظيفي”، بالاشتراك مع الدكتور رائد عكاشة. ووسم السابع بـ “المسار في فقه اللغة العربية”. ووسم الثامن بـ”التحرير الكتابي الوظيفي والإبداعي”. ووسم التاسع بـ”علم الأصوات اللغوية” ووسم العاشر بـ “فن الكتابة والتعبير” لطلبة جامعة الزرقاء، بالاشتراك مع آخريْن.
وستمتد هذه السلسلة – بعون الله – لتشمل عدداً من الكتب المنهجية الجامعية الوظيفية التطبيقية التي تهمّ الطالب الجامعي.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أتوّجه بالشكر إلى الزملاء الذين أبدوا ملحوظاتهم على الكتاب، وقد أفدت من هذه الملحوظات أيّما إفادة.
كما أتوجه بالشكر للأخت فاتنة العزة على ما بذلته من جهد مشكور في طباعة وتنسيق الكتاب وإخراجه.
والله أسأل أن ينفع به، وأن يعفو عمّا وقعت فيه من زلل.
والله ولي التوفيق.
د. عاطف فضل
أستاذ علم اللغة المشارك
بقسم اللغة العربية في جامعة الزرقاء
