المقدمة
الحمد لله الذي تفرّد بجلال ملكوته ، وأتوكل عليه واقنع ، وأرضى بما يعطي ويمنع ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله المجتبى ، المبعوث إلى كافة الورى ، وعلى آله مصابيح الدجى وأصحابه مفاتيح الهدى .
وبعد…
لا يخفى ما للشعر الصوفي من ملامح وسمات ميزته من فنون الشعر العربي الاخرى ، ملامح وشَّحته بجمالها وفي الوقت ذاته كانت سبباً في توجيه الاتهامات إليه .. ومع ذلك كان الشعر الصوفي ولما يزل ميداناً رحباً اغترفت منه الدراسات الأدبية كثيراً ، فلهذا الشعر خصوصية مميزة في إطار الشعر العربي ، وذلك للالتقاء التجربة الشعرية والتجربة الصوفية في كيان الشاعر الصوفي الذي يستمد إلهامه من نبع تلك التجربة ، فتؤثر فيه وتصبح موضوعاتها هي موضوعاته الشعرية ، وبما أن التجربة الصوفية تقوم أساساً على فكر جدلي يتناوب فيها حال الصوفي بين حضور وغياب ، وبسط وقبض ، وسكر وصحو تبعاً لتدرجه في مقامات تلك التجربة واحوالها، فإن تلك الثنائيات من الأحوال الصوفية انطبعت على شعره حتى وسم أغلبه بالثنائيات ولاسيما المتضادة منها ، مما ولّد دافعاً قوياً لدراسة تلك الثنائيات المتضادة في شعر التصوف الأندلسي في القرنين السابع والثامن الهجريين ، والذي لم تتوافر ، في حدود علم الباحثة ، دراسة سابقة تناولته على النحو الذي سار عليه هذا البحث ، فقد تناولت دراسات أدبية عدة الشعر الصوفي كدراسة الدكتورة حميدة صالح البلداوي الموسومة بـ(الشعر الصوفي في الأندلس من العهد المرابطي حتى نهاية الحكم العربي 484-897 هـ ، دراسة نقدية تحليلية) ، ودراسة الدكتورة نسرين ستار جبار الساعدي الموسومة بـ(الصورة الفنية في الشعر الصوفي في القرن السابع الهجري) إلاّ إنها لم تتناول ظاهرة الثنائيات المتضادة في هذا الشعر إلاّ بشكل محدود . من هنا تكمن أهمية هذه الدراسة التي تطرح قضية الثنائيات المتضادة في موضوعات الشعر الصوفي وبنيته بعد ان شكّلت عموداً فقرياً له.
لقد استثمرت فكرة الثنائيات المتضادة في كثير من الدراسات اللغوية والأدبية بوصفها منهجاً وأداة للوصول إلى فهم بناء الفكر الإنساني وتطوره ، لعل أبرزها دراسة كمال أبو ديب في كتابه (جدلية الخفاء والتجلي) ، وكتابه ( الرؤى المقنعة نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي) ،ودراسة عبد القادر الرباعي في كتابه ( الصورة الفنية في شعر أبي تمام) التي أهتمت بظاهرة التضاد في العصر العباسي ، ودراسات أخرى أهتمت بظاهرة الثنائيات المتضادة في الشعر العربي كدراسة الدكتورة هدى هادي الموسومة بـ(الثنائيات المتضادة في الشعر العربي) ودراسة الباحثة مي وليم عزيز الموسومة بـ(الثنائيات المتضادة في شعر الصعاليك والفتّاك إلى نهاية العصر الأموي) .
ونحاول في هذه الدراسة استثمار تلك الثنائيات للوصول إلى فهم أعمق ورؤية أوضح للنص الشعري الصوفي الذي تكمن داخل نسيجه الشعري جماليات فنية تحتاج من يكشف النقاب عنها وعن القيم الفكرية والموضوعية والفنية في بنية هذا النسيج الإبداعي والذي مازال يشكل رافداً مهماً من روافد ثقافتنا الإسلامية الأصلية ، أغرى كثيراً من الباحثين لاستكناه معالمه الفنية والتنور بطاقات نصوصه التي أباحت عن أسرار أصحابها النفسية وقيمهم الروحية والجمالية . وقد حددّنا حقبة الدراسة بالقرنين السابع والثامن الهجريين ؛ لأن الشعر الصوفي بلغ فيها غاية النضج وظهر عدد كبير من الشعراء تناولت الدراسات بعضهم كأبن عربي والششتري ولسان الدين بن الخطيب وسكتت عن آخرين كانت لهم أبيات وقصائد مبثوثة في تصانيف المصادر الأدبية ، وقد خصت الدكتورة حميدة البلدواي بعضهم بالدراسة في أطروحتها ، وعليه فأننا نأمل أن تكون هذه الدراسة محاولة لإضاءة جانب من جوانب تراثنا الشعري من أجل تشكيل معرفة ووعي بتراثنا ومن ثم بذواتنا . وقد اعتمدت على مصادر ومراجع عدة ، منها 🙁 اللمع في التصرف) لأبي نصر السّراج الطوسي (ت 378هـ) ، والرسالة القشيرية لعبد الكريم بن هوازن القشيري (ت465هـ) ، والإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب (ت776هـ) ، والكتيبة الكامنة في مَنْ لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة لأبن الخطيب أيضاً ، علاوة على كتب البلاغة القديمة والحديثة . وقد اعتمدت في هذه الدراسة المنهج البنيوي في تحليل النصوص الشعرية الصوفية ؛ لأن الثنائيات المتضادة تمثل عصب المدرسة البنائية في النقد والتحليل ، لكننا سنتجاوز قصور هذا المنهج في اهمال السياق وإبعاد المؤلف واتخاذ الجملة وحدة التحليل ، إذ لا يُقرأ النص في ضوء تقسيم بنية الجملة فحسب ، إنما في ضوء العلاقات التي تربط بين عناصر الجمل مستفيدة من المنهج الوصفي التحليلي في تحليل جزئيات النصوص الشعرية. غير متجاهلة المنهج التاريخي الذي يؤدي دوراً في إلقاء الضوء على النص الأدبي وتقريب ما بعد فهمه ، ولاسيما في التمهيد لتتبع التطور التاريخي لظاهرة التصوف في الأندلس وكذلك تتبع الثنائيات المتضادة وعلاقتها بالمصطلحات القريبة منها قديماً وحديثاً . وقد اقتضت خطة الدراسة أن تكون في أربعة فصول سبقها تمهيد وتلتها خاتمة.
تناول التمهيد في جزئه الأول نشأة التصوف في الأندلس وتطوره وأثر الأحوال السياسية والاجتماعية في ذلك التطور . أما الجزء الثاني من التمهيد فكان لدراسة الثنائيات المتضادة على مستوى اللغة والاصطلاح وعلاقتها بالمصطلحات القريبة منها في الدلالة .
وعالج الفصل الأول أهم الثنائيات المتضادة في موضوعات شعر التصوف الأندلسي سواء على صعيد شعر الحب الإلهي أو شعر الخمرة الإلهية أو شعر المديح النبوي.
وأنصب الاهتمام في الفصل الثاني على دراسة الثنائيات المتضادة في لغة الشعر الصوفي ، وفي معجمه .
وأهتم الفصل الثالث بدراسة الثنائيات المتضادة على مستوى صور الشعر الصوفي ، سواء أكانت صوراً تشبيهية أم استعارية أم رمزية.
وتناول الفصل الرابع الثنائيات المتضادة على مستوى الإيقاع الداخلي للنصوص الشعرية واعتماد شعراء التصوف على فنون بلاغية أخرى مع الثنائيات لتحقيق الإيقاع الداخلي المنغم.
واختتمت الدراسة بخاتمة قدمت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث. وختاماً أرجو أن أكون قد وفقت في عملي هذا، وان لم أوفق وتخلل البحث القصور والنقص فان صفة البشر النقص ، والكمال لا يليق الا برب العزة والجلال وهو الموفق الى سواء السبيل.
تم إضافة “وتأويلة الشغف (بعض الروايات قد تصاغ في الحقيقة)” إلى سلة مشترياتك. عرض السلة

جرائم الحاسب الآلي
$17.50

الكارثة الدستورية - دراسة في الشوؤن الدستورية العراقية
$22.50 السعر الأصلي هو: $22.50.$20.00السعر الحالي هو: $20.00.
الثنائيات المتضادة في شعر التصّوف الأندلسيّ
$17.50
عدد الصفحات: 256
سنة الطبع: 2018
نوع التجليد: كرتونية
رقم الطبعة: 1
لون الطباعة: ابيض
القياس (سم): 17×24
الوزن (كغم): 0.542
الباركود: 9789957186432
الوزن | 542 جرام |
---|---|
الأبعاد | 17 × 24 سنتيميتر |
رمز المنتج:
9789957-18-643-4
التصنيف: اللغة العربية و آدابها
الوصف
منتجات ذات صلة
اشكالية التنظير في العلوم الانسانية
$20.00
الأساليب النحوية – عرض وتطبيق
$22.50
الرؤى الثورية في القصة والرواية – قراءات نقدية في نماذج مصرية
الصورولوجيا في الرواية – دراسة مقارنة (بين روايتين عربيتين وروايتين اميركيتين معاصرتين)
$18.00
النثر الفني الاندلسي في ظل البلاط الحفصي
$10.00
شعر الجهاد الشامي في مواجهة الصليبيين
$17.50
فصول في الأحكام التقويمية في العربية
$17.50