المقدمة
حازت التنمية البشرية ( الإنسانية ) على اهتمام كبير في الأدبيات الاقتصادية الحديثة، حيث أصبحت مفهوماً متطوراً لمفاهيم تنموية سابقة – كانت تعتبر أن الاستثمار في تحسين القدرات البشرية للمساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي لا يقل أهمية عن الاستثمار في رأس المال المادي – ولكنه يختلف عنها، حيث يجعل البشر هم محور التنمية والمشاركين بها أيضاً، ويعيد الإنسان إلى مكانه الصحيح في النشاط الاقتصادي بعد أن مرت عقود متعددة كان التركيز فيها على الكيفية التي يتم من خلالها زيادة التراكم الرأسمالي بهدف زيادة الإنتاج والثروة، واتخذت من زيادة الدخل القومي معياراً للنمو الاقتصادي.
وتركز التنمية البشرية على تحسين القدرات البشرية وتطويرها من خلال توفير التعليم لأفراد المجتمع بالقدر الكافي سواء كان ذلك عن طريق التعليم النظامي ( التعليم في المراحل الأساسية والثانوية والعليا ) أو التعليم غير النظامي ( محو الأمية والتدريب )، وتوفير الرعاية الصحية سواء عن طريق الوقاية من الأمراض أو معالجتها، وتوفير السكن الملائم، وتوفير المياه الصحية المأمونة، ومحاربة التلوث وغير ذلك، بالإضافة إلى توفير الغذاء الكافي لأفراد المجتمع ومحاربة الفقر وسوء التغذية، ومن ثم استخدام هذه القدرات في تحقيق النمو الاقتصادي المنشود، والاستفادة من ثمار النمو الاقتصادي في تحقيق مزيد من التنمية البشرية بطريقة متكررة ومستمرة.
وتتأثر التنمية البشرية بالسياسات الاقتصادية المختلفة، حيث يدور جدل حول الوسيلة الأنجع لتحقيقها، هل يكون ذلك من خلال قيام الدولة بدور هام لضمان العدالة الاجتماعية، أم من خلال آلية السوق لأنها الأفضل لتحقيق الكفاءة الاقتصادية أم من خلال التنسيق بين السياستين.
وقد اتضح أن للسياسات الاقتصادية العامة تأثيراً مباشراً على التنمية البشرية، حيث لا بد من قيام الدولة بدور هام ومباشر لوضع وتنفيذ استراتيجية للتنمية البشرية لعدة أسباب أهمها : فشل السوق في توفير الكميات الكافية من السلع والخدمات العامة أو شبه السوقية والتي لا تخضع لقانون العرض والطلب، وضرورة معالجة السمات الانكماشية لبرامج الإصلاح الاقتصادي، بالإضافة إلى ضمان الاستفادة من مزايا السوق، وحماية التنمية البشرية في ظل تنامي ظاهرة العولمة وتأثيراتها السلبية على الاقتصاديات النامية لعدم قدرتها على منافسة الاقتصاديات المتقدمة في أغلب جوانبها.
ومن خلال دراسة واقع التنمية البشرية والنمو الاقتصادي للدول المتقدمة والدول النامية تبين أنه رغم تحقيق الدول النامية تقدماً في متضمنات التنمية البشرية الأساسية الثلاث (التعليم والصحة والغذاء)، إلا أنه لا زال هناك بوناً شاسعاً بين ما حققته الدول المتقدمة في جانب النمو الاقتصادي وما حققته الدول النامية، بالإضافة إلى معاناة الدول النامية من الكثير من المشكلات الاقتصادية المختلفة، مما يعني حاجتها إلى المزيد من الجهود التنموية الفعالة ووضع السياسات الاقتصادية الملائمة لمعالجتها.
فضلاً عما سبق فقد تبين من خلال الدراسة أن دليل التنمية البشرية المستخدم لقياس حالة التنمية البشرية لا يعكس حالة التنمية البشرية الحقيقية، وقد تم توجيه انتقادات كثيرة وهامة لهذا الدليل، وبناء على هذه الانتقادات تم اقتراح طريقة بديلة لهذا الدليل تعالج غالبية هذه الانتقادات، وبعد تطبيق الدليل المقترح على دول العالم من خلال سلسلة زمنية للبينات الواردة في تقرير التنمية البشرية لعام 2000 تبين مصداقية هذا الدليل المقترح.
ورغم كل ذلك لا بد من الإشارة إلى أن البيانات الواردة في أدلة التنمية البشرية عبارة عن متوسطات، وهذه المتوسطات تخفي الكثير من التباين على المستوى العالمي فضلاً عن المستوى المحلي، وبناءً عليه لا بد من إضافة الكثير من المؤشرات الأخرى التي لا تقل أهمية عن المؤشرات المستخدمة في الدليل.
المؤلف