المقدمة
لقد شهدت العقود الأخيرة اهتماما مضطردا بموضوع البحث العلمي، وتجسد هذا الاهتمام بظهور اتجاه نحو ارتفاع نسبة الموارد المخصصة للكتابة والبحث العلمي، مقارنة بإجمالي الموارد في المنشآت والوحدات الاقتصادية، مهما اختلفت مهامها وطبيعة عملها. وقد تم تشكيل هيئات وتنظيمات متخصصة ترعى شئون البحث العلمي. إضافة إلى ظهور ميل بين الشركات للاستفادة من نتائج أبحاث المراكز البحثية –المتخصصة في إجراء البحوث- في مجال التطبيق. وفي السنوات الأخيرة تنامي الاتجاه نحو قيام الجامعات بممارسة دور البحث، ليس لأغراضها فقط، وإنما لخدمة المصانع والشركات المختلفة، حتى أصبحت الجامعات تبرم عقوداً سنوية مع الشركات لإجراء البحوث التي تحتاجها هذه الشركات.
إن ظاهرة تزايد الاهتمام بالبحث العلمي ما هي إلا انعكاس لتزايد الحاجة في المجتمع نحو إجرائه. حيث تواجه الإنسان مشاكل وتحديات مختلفة تتطلب احتواءها وإيجاد السبل الضرورية لمعالجتها. وأفضل طريقة لمواجهة هذه المشاكل بشكل عقلاني وموضوعي، هي الاعتماد على أسلوب إجراء بحوث متخصصة، تتناول دراستها، ووضع حلول ومعالجات مناسبة لها. كما أن التطور التكنولوجي والتقدم التقني قد جلبا مشاكل عديدة للمجتمعات المعاصرة، مثل: مشاكل التلوث، وازدحام المدن، وتفاقم المشاكل الاجتماعية المرافقة لعملية التنمية.
وبالرغم من النتائج الإيجابية المصاحبة لعملية التطور التكنولوجي في هذا المجال، فإن التطور يكتنفه –من جانب آخر- العديد من المشاكل والظواهر السلبية، لذلك فإن الحاجة إلى إجراء البحوث ستكون مستمرة ومتجددة، طالما أن هناك مشاكل وحاجات متزايدة. كما يلاحظ في مجال البحث العلمي أن الدول والشركات والمصانع أصبحت تتنافس فيما بينها في إعداد البحوث، وخاصة في المجالات التي تؤدي إلى تطوير المنتجات القائمة، أو إلى اكتشاف منتجات جديدة تسهم في تقدم المجتمع وزيادة رفاهيته والتي تعد بحوثا ذات طابع استراتيجي، ولا تسمح بتناول نتائجها من قبل الغير، وتعمل على احتكار المعلومات والمعرفة المتعلقة بمثل هذه البحوث.
أما بالنسبة للدول النامية: فإن عملية الاهتمام بالبحث العلمي تنبع من طبيعة المشاكل السائدة فيها، بسبب ظروف التخلف الاقتصادي، فتكون من المبررات الملحة للقيام ببرامج واسعة للبحث العلمي، لأنها السبيل الوحيد والأساس لتجاوز هذه الحالة من التخلف. عليه فإنها تسعى إلى توفير مستلزمات البحوث وتهيئة الظروف المناسبة لإجرائها، وبخاصة التطبيقية منها.
وإن النقص الذي تعاني منه المكتبة العربية في مجال المصادر المتعلقة بالبحث العلمي، إضافة إلى افتقار المتوفر منها للشمولية والوضوح، كما وأن البعض منها يتجه نحو التخصص الدقيق في حقول علمية دون أخرى، مثل التخصص في مجال التربية أو علم الاجتماع أو الجغرافيا وغيرها. كل هذا كان حافزاً أساسياً للمؤلفين لإعداد هذا الكتاب أو المقرر المنهجي.
ولقد أعدّ الكتاب بطريقة تجعله –إن شاء الله تعالى- عوناً للطلبة في مختلف اختصاصاتهم، لإعداد البحوث والرسائل الجامعية. وقد حرصنا أن تكون مضامين الكتاب، وكذا أسلوب إعداده، مشتملين على كافة الأمور المتعلقة بالبحث العلمي ومنهجيات كتابته، كما أنه يعتبر مرجعاً للباحثين بمختلف تخصصاتهم العلمية.
لقد حاولنا، ونأمل أن تكون محاولتنا هذه قد أصابت قسطاً من النجاح في مسيرة البحث العلمي في الوطن العربي.
والله ولي التوفيق
المؤلفان