المقدمة
اللغة هي وسيلة التفاهم، والتخاطب ما بين البشر، وهي مفتاح المعرفة والوسيلة الرئيسة للتواصل الفكري، والثقافي، ويعتمد عليها الإنسان بشكل كامل للتعبير عن أفكاره، ومشاعره، وأغراضه وأحاسيسه، وهي وسيلة الحركة الفكرية، والترابط الوجداني بين أبناء الأمة الوحدة، وهذا ما نجده في اللغة العربية التي بينت قدرتها، فقد استوعبت المفاهيم، والاصطلاحات المعاصرة، وما يستجد على الساحة العلمية، والفكرية والإبداع.
إن الهدف الأساسي لتعليم اللغة العربية هو إكساب المتعلم القدرة على الاتصال اللغوي الواضح، والسليم، وكل محاولة لتدريس اللغة العربية يجب أن تؤدي إلى تحقيق هذا الهدف والاتصال اللغوي لا يتعدى أن يكون بين متكلم ومستمع أو بين كاتب وقارئ، وعلى هذا الأساس فإن للغة فنوناً أربعة هي: الاستماع والكلام والقراءة والكتابة، وهذه الفنون الأربعة وهناك من يزيد عليها التفكير ركناً خامساً هي أركان الاتصال اللغوي وهي متصلة ببعضها تمام الاتصال وكل منها يؤثر ويتأثر بالفنون الأخرى ولما كانت اللغة العربية كسائر اللغات ذات فنون أربعة فقد اختار هذا الكتاب الفن الأول ألا وهو الاستماع أو فن الإصغاء وينطوي حديثا في هذا الفن مهارات تسعى المدرسة إلى إكسابها لتلاميذها لأن المستمع الجيد هو بالضرورة متحدث جيد وقارئ جيد، وكاتب جيد، والقارئ الجيد، لا بد أن يكون مستمعاً جيداً وكاتباً جيداً وهكذا هذه النظرة إلى اللغة تقوم على أساس التكامل بين فنونها الأربعة بدلا من التفتيت والتجزئ الحاصل نتيجة تدريسها فروعاً في مواقف مصطنعة لا يجمع شتاتها جامع.
ولفن الاستماع قيمة خاصة في الحياة الإنسانية فيه بدأ نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أمره الله عن طريق الوحي بالقراءة فخاطبه قائلاً (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاَْكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق: ١ – ٥ ، وهو يعلم أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولكنه قرأ فعلاً بأن استمع إلى الوحي فوعي ما سمع منه وعبياً تاماً وردده، وحرك به لسانه، وحفظه، ثم قرأه على أصحابه معلمهم إياه، وعلموه غيرهم.
من الملاحظ أن حاسة السمع يتوقف عليها اكتساب لتلاميذ المدرسي كثيراً لأن هذا الفن يشارك مشاركة فعالة في عملية التعليم والتعلم إذ أن فاقد البصر مثلا يستطيع التعلم عن طريق السمع بالأذن والنطق بالفم ولكن فاقد السمع، وهو في الغالب أبكم فاقد للنطق غير قادر على التعلم غالباً، لأنه فقد حاسة التلقي الرئيسة، ومفتاحها المهم هو الاستماع الذي يعد مهارة مستقلة لها ارتباط وثيق بالتعلم فهو أحد الوسائل الأساسية التي يحصل المتعلم من خلالها على القدر المناسب من المعرفة والاتجاهات والقيم، والمهارات فهو يحصل على (80%) من المعرفة عن طريق الاستماع.
وبناء على ما تقدم ولمكانة الاستماع المهمة فقد برزت الحاجة الماسة لدراسة هذه المهارة، وبناء البرامج التي تبرز مكانتها ولاسيما ما نلمسه من إهمال لهذه المهارة لذا ارتأى المؤلفان بأن يخوضا في هذه المهارة التي تستحق البحث، والدراسة، والكتاب الذي بين أيديكم قسم على سبعة فصول هي:
الفصل الأول: وهو مدخل إلى مهارة الاستماع وتضمن ماهية الاستماع، ومنزلته والاستماع في القرآن الكريم، وأثره في الحياة التعليمية، وواقع تدريبه.
الفصل الثاني: واقع تدريس الاستماع، وتضمّن: أهدافه العامة، ومنهج تعليمه وكيف تحدث عملية الاستماع؟ وأهميته لدى المعلمين والأطفال والإبداع الفني في الاستماع ورؤية مستقبلية لتدريس الاستماع.
الفصل الثالث: الاستماع في الأدب النظري وتضمن: فلسفة الاستماع، وعلاقته بالمهارات أخرى، وأنواعه، والتدريب عليه، ومعوقاته ووسائل تنميته.
الفصل الرابع: دراسات علمية في الاستماع، وتناول دراسات عربية، وأجنبية في مهارة الاستماع وفي البرامج التي بنيت على الكفايات.
الفصل الخامس: كفايات الاستماع وتضمن المرجعية الفلسفية لحركة التربية القائمة على الكفايات ومسوغات ظهور الحركة ومنشؤها، وأوجه النقد الموجهة لهذه الحركة وخطوات بناء البرنامج القائم على الكفايات، وقائمة الكفايات التي تم التوصل إليها.
الفصل السادس: البرنامج المقترح لتدريس الاستماع وتضمن: خصائص التربية القائمة على الكفايات والبرامج التعليمية القائمة على الكفايات ثم خطوات بناء البرنامج القائم على الكفاية وقائمة كفايات الاستماع ثم صدقها وثباتها والوسائل الإحصائية.
الفصل السابع: خاتمة البحث، وتضمن: الاستنتاجات والتوصيات والمقترحات.
وختاماً وبعد أن مَنَّ الله على المؤلفين بتوفيقه بإتمام هذا الكتاب التربوي التعليمي لا يسعهما إلا أن يحنيا جبهتيهما ساجدين للمنعم الأكبر، شكراً، وثناء، وحمدا لله الذي أسبغ علينا نعمته بهذا العمل الذي لا ينقطع ثوابه ونأمل أن يكون خطوة على درب العلم والمعرفة خدمة للغة التنزيل فمن واجب طالب العلم أن يشكر الله عز وجل الذي أنعم عليه بهذه الفضيلة وأن يصونها بالبحث وتقصي الحقائق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المؤلفان