مقدمة
تمكّنت بحوث الإعلام والاتصال، بشكل متدرّج، من تعزير حضورها وإثبات وجودها وأهمّيتها في حقل الدّراسات الاجتماعية والانسانية على مدار القرن العشرين، حيث أدّت التّحولات الاجتماعية والتّكنولوجية المستمرة والمتسارعة التي ارتبطت بظهور مجتمع الشّبكات إلى جعل الاتصال والإعلام أحد الحقول المعرفية المحورية للبحث العلمي في جميع أنحاء العالم. فهذا الحقل الذي يتسم بطبيعته البينية، حيث تجتمع تحت سقفه مجموعة واسعة من العلوم الاجتماعية والإنسانية، أثبت أنه موضوع بحث ضروري وحقل مهني وأكاديمي جذاب للكثير من الباحثين. فمنذ بداياته الأولى التي تمركزت حول دراسة تأثيرات وسائل الاتصال الجماهيري، وصولا الى دراسات شبكات التواصل الاجتماعي، قطع هذا الحقل المعرفي شوطًا طويلاً وراكم الكثير من التراث العلمي، إلا أنه ما زال يواجه اليوم الكثير من التّحديات النظرية والعملية الجديدة ليساهم بالفعل، من خلال مفاهيمه ومنهجياته ومقارباته المتنوعة، في فهم المجتمعات المعاصرة.
إن تحقيق هذه المكانة المعرفية الاجتماعية يقتضي من المنتمين الى هذا الحقل اخضاع عدته المفاهيمية والمنهجية ومقولاته المعرفية للفحص والتمحيص الابستمولوجي والمنهجي. فالسياقات الاجتماعية الحاضنة لإنتاج المعرفة تحتاج الى عمق ابستمولوجي في مقاربات الباحثين المعرفية للظواهر الاتصالية والاجتماعية عموما. ذلك أنهم مطالبين بالذهاب أبعد من الوصف الظاهر لموضوعاتهم البحثية، والتركيز أكثر على أسئلة لماذا وكيف. فهذه السياقات، التي تميل الى الاحتفاء بالمتغير التكنولوجي، لا تعفي الباحثين من اسقاط بعض الأسئلة الفلسفية ذات الصلة بدورهم التنويري في المجتمع.
