معتقدات أهل الاندلس بالمنجمين

مقدمة
الصلاة والسلام على سيد المرسلين الرسول الكريم محمد (ص) وعلى اله وصحبه، يعد علم التنجيم و الفلك صنف مهم من العلوم الصرفة التي ظهرت مع ظهور الخلق وتطورت وظل هذا العلم في ازدهار مع حاجة الناس إليه، إذ وصل الفلك والتنجيم إلى أوج ازدهاره في الخلافة العباسية أيام الخليفة المنصور والرشيد في كنف بيت الحكمة في بغداد، وصار الناس يفهمون أهمية الفلك لتحديد مواقع النجوم ومعرفة الأشهر الدينية لشهر رمضان والأعياد ومعرفة ظواهر الخسوف والكسوف والفيضانات والكوارث والزلازل والبراكين فضلا، عن اهميته في الطالع والفال والطيرة ومعتقدات اجتماعية ظهرت مع الزمن والمتمثلة بالمستقبل ويتفاءلون به في مجال حل مشاكلهم الحياتية في الطيرة والفال والشعوذة.
يذكر أن الحجاج بن يوسف الثقفي قد دخل الكوفة متوجها إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروأن فصعد المنبر، فأنكسر تحت قدميه، فعلم تطيروا له بذلك، فالتفت إلى الناس قيل أن يحمد الله تعالى فقال: شاهت الوجوه، وتبت الأيدي، ويؤتم بغضب من الله، إذا أنكسر أسد شديد تفاءلتم بالشؤم، وأني على أعداء الله لا نكد من الغراب الابقع، واشام من يوم نحس مستمر .
اتجه عدد من علماء الإسلام في الاختصاص بهذا العلم الحيوي النافع والضروري في حياة الناس بداية العصر العباسي الأول، واغلبهم من علماء علم الهيئة والرياضيات وصنفوا كتب عديدة في هذا المجال من الإجرام، وصنعوا ادوات خاصة بهذا العلم كالإسطرلاب والمنيقله وبعض الزوايا الهندسية لمعرفة الارتفاع والانخفاض، وقد أبدعوا بأعمالهم فضلا عن أنهم اتجهوا إلى ترجمة عدد مؤلفات علماء اليونان والرومان في الفلك في عصر ازدهار حركة الترجمة في بغداد وطليطلة التي ظهرت في ذروة الإبداع عند مؤسسة الإبداع الحضاري في (بيت الحكمة البغدادي)، ومن ابرز هؤلاء العلماء الخوارزمي (ت 232هـ) وله كتاب (السند هند الصغير) على مذاهب الهند والفرس كما صنع كتاب آخر سمي كتاب (زيج الخوارزمي).
يعد الزيج (الصابي)،وكتاب معرفة مطالع النجوم، وكتاب تعديل الكواكب، والبتاني (ت 317هـ/929م)، والبوزجأني وأبن يونس، وأما أبن يونس الصفدي المصري (ت 397 هـ / 1007م) فقد اخترع رقاص الساعة الدقاقة البندول. وقد لعب المنجمون البغداديون دورا مهما في الحياة العامة، وكأن الناس يثقون بهم ويعتقدون بكلامهم ولا بديل لديهم في حياتهم البسيطة والصعبة في ظل ظروف ثقافية متواضعة وقاسية وثقافة اجتماعية متواضعة، لا يجدونها في كل بقاع الأرض، فضلا عن انعدام المواصلات والاتصالات والظروف المناخية القاسية والصعبة والبساطة بالعيش والقناعة بكل شي، فينجح المنجم في عمله لتلك الحياة البسيطة للناس، وكسب ثقة العامة وعقول المرضى والمحتاجين للعلاج الذين لا حول لهم ولا قوة الا بالمجرب والمقنع لما يعانون من مشاكل. أنتشر التنجيم والفال والطيرة في بلد الأندلس خلال ثمأني قرون من الازدهار الفكري في القصور وبيوت العامة لتغطية حاجات الناس ومعرفة طالعهم، بفضل ما نقلوه من علوم وفنون من علماء بيت الحكمة البغدادي، وكانت النساء في أمس الحاجة للمنجم نظرا لكثرة الجواري والبذخ والترف ولذة العشق في اتخاذ أجمل النساء، مما زاد عند الناس والزوجات وولد الشكوك والأوهام وفقدأن الثقة بالأزواج وللتعرف عن الحقائق حب زواج وأسراره وخفاياه الباطنية في ظل تفشي الفساد الاجتماعي في بعض الأوقات والتنافس في تعدد الزوجات والعلاقات اللا شرعية جراء تحسن الوضع الاقتصادي بين أبناء المجتمع الأندلسي، إذا سادت الحرية والتسامح جراء الاختلاط بين المسلمين والنصارى واليهود، وكثرة أعجاب الإسبانيات بالشباب الأندلسي في ظل ظروف وروعة الأجواء والطبيعة والبهجة ومظاهر الأفراح والاحتفالات المتعددة واختلاط الجميلات الإسبانيات ومشاركتهن أهل الأندلس في أعيادهم ومناسباتهم الدينية والدنيوية وساد في المدن الأندلسية الكبرى مثل قرطبة واشبيلية وبلنسية وغرناطة وطليطلة، ومما شاع بين الأهالي بأن حكام الأندلس من أمراء وخلفاء وسلاطين حياة البذخ والترف والفساد الاجتماعي في القصور واتخاذهم الجواري والحرائر، كما يقول المثل العربي “إذا كأن رب البيت بالدف ناقرا فشيمة أهل الدار كلهم النقر ” وفعلا نرى أن ما شهده التاريخ والأدب الأندلسي من مظاهر حرية اجتماعية، لم تظهر في لائحة التواريخ من حرية ولذة وراحة وجمال وعشق وغرام يدهش الباحث مما صوره لنا أهل التاريخ الأندلسي من وصف يدهش بمساحته دون حسيب أو رقيب. وكما يذكر الأدباء ” إذا غاب القط العب يا فار” إذا كأن المجتمع الأندلسي بلا حسيب ولا رقيب ولا محاكم شرعية إلا فتأوي الفقهاء التي أصبحت، حبرا على ورق، والنصوص والوثائق تؤيد لنا أروع صور الحياة الاجتماعية التي عاشها أهل الأندلس في تعدد الأديان والمذاهب والاعتقاد والأمن والاستقرار والبذخ والترف واللذة والمتعة وما تشتهي القلوب والنفوس والعقول بالألوان والأشكال وحدث بلا حرج.
عاشت أرض أندلس أفضل حياة اجتماعية واقتصادية في عصري الأمارة والخلافة فضلا عن ازدهار الحركة الفكرية في عصورها الذهبية، وقد قصد الأندلس علماء وأدباء وفقهاء وتجار من المشرق الإسلامي، وكانت تجارة الجواري رائجة، كما ظهرت عمليات الخصاء للخدم في القصور خوفا من الاعتداء على الجواري والسيدات للحكام.
استفاد المنجمون وكسبوا أموالا طائلة جراء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وهم على طبقات ودرجات بالثقافية، ومعرفة أسرار المهنة التي تعتمد على الذكاء والفطنة والخفة وحلاوة اللسان وأسرار البشر بعد سرقة اعترافات ومعرفة سيرته الذاتية من صراحة كلامه أو معاناته أو لون وجه ودقات نبضات قلبه ولوعته وشكواه وظروفه أو وضع رقيب أو متابع لجلب المعلومات للمنجم أو تحذير أعصابه وتنويمه، وكأن المنجم الأندلسي فنان ماهر وأديب متمرس وذواق راقي يستخدم الدهاء الذهني والحيل والمهارة في أعطاء الوصفات وهو عارف بأسرار النجوم والكواكب والمواقع ومشاكل المجتمع بكل الظروف كي يكسب الزبائن، وأسلوبه لطيف يجذب قلوب أهل الحاجة ببراعة عرض المشاكل وإقناع نفوسهم وإرضاء شهواتهم وأبعاد القلق والظن والأرق وسوء الظن وهي مشاكل طبقات المجتمع وهمومهم الصعبة.
يعتقد أهل الأندلس بوصفات المنجم نظرا ولخبرته لممارسته واطلاعه على المصاعب التي تواجه الناس ويقارن بين الحالات التي عرضت عليه سابقا والمطروحة ليصدر الفتاوي.
هدفنا خدمة التراث أندلسي وأحياء القيم والتقاليد الأصيلة ومتعة القراء الأعزاء، بفضل الله تعالى ومنه نستمد العون والتوفيق والنجاح والكمال لله وحده. خادم التاريخ والحضارة الأندلسية، العبد الفقير لربه الغني و الكريم.
ا. د محمد بشير حسن راضي العامري
جامعة بغداد