تقديم
تُعد نقطة الانطلاق للاستاذ الدكتور عبد الرحمن المشهداني في كتابه القيم “مصرف الفقراء”البداية الوجدانية في التعاطي مع مشكلات التقارب بين الفقر والتمويل في المجتمعات الاكثر هشاشة في سعيها لتجميع التراكم الراسمالي وإعادة تدويره لمصلحة الاستثمار والانتاج والاستخدام الاوسع .
ففي الوقت الذي نجد فيه أن معدلات الادخار في البلدان الصناعية المتقدمة نسبة الى الدخل الوطني مرتفعة نسبياً،وان القدر الاكبر منها يأخذ طريقه الى المؤسسات المالية ولاسيما المصرفية منها.نرى جلياً بأن تلك الادخارات في البلدان الفقيرة والاقل نمواً ،على الرغم من انخفاض معدلاتها كنسبة الى الدخل الوطني، تبتعد من ولوج القطاع المصرفي المنظم.أذ يستقر الكثير من الموارد الادخارية في تلك البلدان الفقيرة في القطاعات الموازية او غير المنظمة ليُستثمر البعض منها بالمشاريع غير المجازة والتي يقع اغلبها خارج حماية القانون. وغالباً ما يضم القطاع غير المنظم صغار التجار و الحرفيين والمزارعين والشغيلة من العمال الذين يعملون بادوات انتاجهم في الارياف والمدن ذلك بغض النظر عن الموارد المالية التي تتاح اليهم لاغراض تسيير اعمالهم. وفي ظل غياب جهاز مصرفي منظم بمقدوره تلبية الطلبات الائتمانية او الحاجة الى التمويل لتلك الشرائح محدودة الدخل،فان الكلف الادارية والمعلوماتية المطلوبة ستكون باهضة بالغالب او غير متوافرة ،الامر الذي يجعل المقدرة على استرجاع راس المال محدودة جداً.وعلى الرغم من ان اجمالي التدفقات النقدية في تلك البلدان الفقيرة هو مرتفع عادة ويبلغ مابين ثلث الناتج المحلي الاجمالي الى قرابة نصفه،ولكن فقدان الاسواق المالية او انقسامها وتباعدها ،يجعل تلك الاموال تظل مكتنزة في القطاع غير المنظم ولا تبلغ القطاع المصرفي المنظم الا قليلاً ومن ثم يتعثر تدويرها كبذور للاستثمار في المشاريع الصغيرة التي هي بامس الحاجة اليها.واذا ما احتاج الناس الى رؤوس اموال صغيرة فان ليس لهم من خيار سوى اللجوء الى الصرافين او المرابين لغرض الاقتراض.اذ غالباً ما تُقرض الاموال بفائدة سنوية لاتقل عن 50 بالمئة وهو مايسمى( بالربا الفاحش) والذي يعد من اكبر عوائق الاستثمار.ولكن يبقى السؤال كيف يمكن لنا تفادي هذه المشكلة التمويلية؟تبقى التنمية المالية واحدة من القوى الاساسية في التنمية الاقتصادية.وبالرغم من ذلك ، يظل التساؤل قائماً ،أنه كيف يمكن للمجتمعات الفقيرة ان تعظم من راس المال وتمول النمو الاقتصادي اذا كانت الادخارات على قلتها لايتم تداولها او تدويرها بيسر و لمختلف الاستعمالات ..كما يقال! الجواب
ان واحدة من البدايات المشجعة هو تاسيس بنوك الفقراء.اذ كانت بنغلادش السباقة في توفير الائتمانات او القروض الصغيرة للمحتاجين بغية توفير التمويل للمشاريع التي يجري تاسيسها لمزاولة النشاط الاقتصادي.فقد اسس محمد يونس بنك القرية في بنغلادش في العام 1983 واستحق جائزة نوبل على مبادرته .اذ تقوم فكرته على تقديم قروض الى سكان القرى وان المقترضين يضمن بعضهم البعض .اذ سجل الاسترداد مانسبته 98 بالمئة وان 5 بالمئة من السكان هناك يتخطون حاجز الفقر سنويا.وهو الامر الذي دعى البنك الدولى الى تبني فكرة مصرف القرية او بنك الفقراء في اكثر من 100 بلد في العالم اليوم .ختاما،ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هي الاحوج اليوم الى تاسيس بنك الشغيلة او مصرف الفقراء .فنجاح فقير واحد في تخطي حاجز الفقر من خلال الانتاج هو اشارة امل في تحرير الالاف من آفة الفقر.
ختاماً ان كتاب الاستاذ الدكتور عبد الرحمن المشهداني يمثل تحدياً حقيقياً بفصوله المختلفة عن تفعيل التمويل الاصغر في تحريها لخلايا العمل المنتج والنهوض باقتصادات الامم الكثيفة السكان والتطلع الى تاسيس بنى قوية يطلقها التمويل الصغير لبناء مشاريع انتاجية اكبر. فآليات ومفاصل مصرف الفقراء تشكل اضافة جوهرية في بلوغ التنمية المستدامة التي تبحث عن انطلاقات التنمية وتمويلها عالياً .فما كتاب مصرف الفقراء الذي بين ايديكم الا جبل الاقتصاد العالي الذي يُمكن من بناء عش الصقر من قش الثروة .
الدكتور مظهر محمد صالح
المستشار المالي لرئيس الوزراء
بغداد ف 21/اذار / 2021