مدخل الى الشعر العربي المعاصر – التنظير والإبداع

تقديم
ظهرت القصيدة العربية الحرة في ظروف خاصة، فقد نظر إليها البعض بعين الاستنكار بوصفها تمردا على القصيدة العمودية الراسخة في الوجدان الجمعي. وعلى الرغم من الخصومات والجدل الكبير استطاع هذا الشكل الجديد أن يفرض نفسه على المبدع والمتلقي معا.
لقد استطاع المتلقي المعاصر أن يستقبل القصيدة الحرة بكل انفعالاته التي ما فتئت تؤثر فيها وتتأثر بها، الأمر الذي ساعد على التطور الإبداعي والرؤيوي، فقد تولدت عن هذه القصيدة عدة مفارقات في بنائها الشكلي ونسقها الدلالي، ما جعلها، أحيانا، غامضة تستعصي على القارئ تحليلا وتأويلا.
يحاول كتابنا هذا إضاءة بعض دروب ومسالك القصيدة العربية المعاصرة، وتحديد أهم منعطفاتها، بما يقدم للقارئ العربي ما يشبه المدخل إلى قراءة هذه القصيدة وقضاياها. ولعلنا بذلك نكون قد أسسنا لمنطلق نحو آفاق بحثية جديدة تتعلق بهذا الشكل الشعري.
ونحن على يقين بأن القصيدة الحرة لم تتمرد على التراث العربي، وإنما حاولت تغيير نظامه بما يتجاوب مع مستجدات الحياة العربية، فإذا كانت القصيدة العمودية تعتمد على الوزن المتكرر والنظام التقابلي للأشطر، فإن القصيدة الحرة جاءت لتعتمد التفعيلة ونظام الأسطر المتتابعة والمختلفة من حيث الطول. بل إن هذه القصيدة تستدعي، أحيانا، بعض خصاص الشكل العمودي من قبيل الوقفة الثلاثية والروي الموحد، والتعادل الكمي. ومن ثم يمكننا القول إن الأمر يتعلق بتنويع إيقاعي يصل حدود استثمار الشكل البصري للنص الشعري، وتعقيد رؤيوي نابع من صميم الحياة المعاصرة بكل تعقيداتها، دون إلغاء كلي للشكل العمودي الموروث.