المقدّمــة
هذا كتاب فَعَلْت وأفعَلْت المنسوب لابن دُريد المتوفّى سنة (321 هـ) العالم اللّغويّ المعروف.
فقد اهتمَّ علماء العربيّة بظاهرة “فعل وأقعل” وألفوا فيها إذ ترتبط هذه الظّاهرة لزامًا بالمعاني المتأتية من أوزان الأفعال في العربيّة إذ إنَّ من المقرّر أنَّ لِلأفعالِ في العَرَبِيَّةِ أوْزانًا مَخْصوصةً، وِكلُّ وَزنٍ له مَعْنًى أوْ مَعانٍ صَرْفِيَّة مُجمَعٌ عليها عند أهل العربيّة وَقَدْ صَنَّفَ فيهِ القُدماءُ، وتوسعوا في ذلك مُعرّجين على تَعدّدِ المَعاني التي تَقعُ تَحتَ صيغَةِ الفِعْلِ الواحدةِ مُعلنين أنَّ هذا الملمح ممّا تتفرّدُ به العربيّة.
فصّيغة “أفْعل” لَها مَعانٍ مُتعدّدةٌ، وَمِنْ ذلِكَ دلالة التّعديةِ؛ نحوُ “أجْلستُهُ”، والتّعْريضِ، ومِنهُ، والاستِحقاقِ، ومِنْهُ “أَحْصَد الزّرعُ”، والوُجودِ وَالإِصابةِ؛ نحوُ “أَحْمَدتُهُ”، أيْ: وجَدتُهُ مَحْمودًا، والدّخولِ في الزّمانِ وَالمَكانِ، كَقَولِنا: أصْبَحَ، وَأمْسى، وأنْجَدَ، وأبْحَرَ، والسَّلبِ، كَقولِنا أعْجَمتُ الكِتابَ إِذا أزلْتُ عُجمتَهُ ومِن مَعاني “أفْعَل” أنّه يَأتي بِمَعنى “فَعَلَ”، وَهو كَثيرٌ في العربيّة وقد أفضت كثرتها إِلى التّصنيفِ في هذِهِ الظّاهرةِ، في مجموع مؤلّفات؛ بعضها مطبوع والآخر ألمح إليه أصحاب فهارس الكتب، وسنبيّن ذلك بعدًا.
والمصتّف الذي بين أيدينا لم يقتصر فيه مؤلّفه على صيغة “فعل وأفعل” إنّما جاء مشتملا على موضوعات مختلفة؛ بعضها في اللغة ممّا هو ليس من باب “فعل وأفعل”، نحو دلالات الكلم وقضايا نحويّة وأمثال وأنواع العيوب النّطقيّة، وأخرى في تراجم لعلماء لغة، واشتمل على أشعار وأرجاز وأمثال كثيرة، وبعض القصص التي ذكرتها كتب اللغة والأدب.
المحققان
أ.د. حسن عبد الهادي د. هاني البطّاط
