المقدمة
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه.
أمّا بعد:
فممّا لا يخفى على الدّارسين والباحثين جهود علمائنا الأوائل وما بذلوه في خدمة العربيّة من وضع لقواعدها وتنسيق وتبويب لموضوعاتها, وتعليلاتهم لمعظم الأحكام النّحويّة.
وقد أخذت أصول النّحو مدًى واسعًا من تفكير أولئك العلماء ممثّلة بالسّماع عن العرب والأخذ عن فصائحهم وما تمخّض عن ذلك من حصر وتحديد للقبائل التي كان يأخذ منها جامع اللّغة, ثمّ الرّكون إلى القياس بوصفه المعيار الأساس الذي يلجأ إليه النّحوي في قبول الأحكام أو رفضها, حتّى قيل:
إنّما النّحو قياس يتّبع
وله في كلّ باب متّسع
وبرز لدى الدّارسين ما يعرف بالأحكام التقويميّة في النّحو وهو ضرب من ضروب النّقد النّحويّ الذي يزاوله النّاقد في قضايا النّحو وأحكامه، وقسّموا تلك الأحكام التّقويميّة إلى كمّيّة ونوعيّة وذوقيّة, وغير ذلك من التّقسيمات.
فقد خطر ببالي منذ سنوات أن أكتب في هذا الموضوع، إذ كنت معجبًا بنظرة القدماء وهم يقفون إزاء كلّ حكم من الأحكام مقوّمين وناقدين، فكنت أُؤصّل لكلّ حكم وأقف على أقوال العلماء في كلّ موضع يردّ فيه ذلك الحكم، ثمّ أشرع بتبيين الألفاظ الدّالة عليه والشّواهد التي اعتمدها كلّ عالم لتثبيت هذه الأحكام.
وكنت ملزمًا بالنّظر في بطون أمّات الكتب على تنوعها صوتًا وصرفًا ونحوًا فضلًا عن كتب التّفسير والبلاغة والأدب.
وقد وقع اختياري على هذه الأحكام دون غيرها؛ لعدم شهرتها كثيرًا بين الدّارسين من جهة، وعدم دراستها دراسة مستقلة من جهة أخرى.
واقتصرت على هذا العدد منها طلبًا للإيجاز، ولا أدّعي أنّي أوّل من ولج هذا الباب، بل سبقني إليه دارسون آخرون، ولكن لكلّ رامٍ سهم، ومن هنا أرجو وآمل أن يأتي مَن بعدي من يكمل هذا العمل ويسدّ نقصه، وما اعتراه من خلل؛ لأنّ الحقيقة تبقى أعلى قدمًا وأغلى قيمةً لدى مريديها.
وأخيرًا الله أسأل أن يأخذ هذا الكتاب مكانه بين الدّراسات، وأن ينفع به الدّارسين.