المقدمة
ترتبط علوم الأرض (الجيولوجيا) ارتباطا وثيقا باستخدام الإنسان للثروات الطبيعية التي يستخرجها من فوق ـ أو من باطن ـ الأرض، فلفظ ” الجيولوجيا”عبارة عن مصطلح مركب مشتق من اللغة الإغريقية تبدأ باللفظ” جيو ” الذي يعنى (الأرض)، ولفظ ” لوجيا ” الذي يعنى (علم)، أي أن اللفظين يعنيان معا [ علم الأرض ]،وهو أحد العلوم التي عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ، ويعتبر سكان الأرض العربية القدماء من مصريين أو آشوريين أو بابليين، أو سومريين من أوائل شعوب العالم ممن عرف المعادن والصخور واستخدمها في العديد من الأغراض، ولعل ما يبدو من أنصبة تذكارية ومعابد وتماثيل ضخمة في العديد من الأقطار العربية خير دليل على ذلك، كما برع المصريون القدماء في استخدام الصخور الجرانيتية بعمل المسلات الضخمة التي كانت تقطع من الكتل الصخرية الجرانيتية بالقرب من مدينتي ” الأقصر” و ” أسوان” والتي كان يتم التفنن في نقلها كقطعة واحدة من جنوب مضر إلى شمالها عبر نهر النيل ليتم نصبها في عواصم مصر القديمة سواء في ” طيبة ” أو ” منف”.
كما تدل المعابد والقصور التي شيدها قدماء البابليين أو الآشوريين على مدى الدراية البالغة لهم حول طبيعة الصخور وقدرتها على تحدى عوامل الطبيعة من تجوية أو تعرية، مما دعاهم إلى اختيارها بالذات دون غيرها من الصخور الأخرى لتكون محلا لاهتمامهم .
كذلك كان للمعادن الطبيعية التي تتميز بألوانها الزاهية أهمية بالغة في حياة المصريين القدماء، فقد استخدموا المعادن الحاوية على فلز الحديد مثل معادن ” الهيماتايت ” ذات اللون الأحمر، ومعادن ” الليمونايت ” ذات اللون الأصفر، او معادن ” الماجنيتايت ” ذات اللون الأسود، كذلك استخدموا المعادن الحاوية على فلز النحاس مثل معادن ” المالاكايت ” ذات اللون الأخضر ، وهى جميعها مركبات طبيعية تتواجد بصورة أو أخرى في بعض المواقع بشبه جزيرة سيناء وجبال البحر الأحمر .
أما بالنسبة للحلي والمجوهرات فقد استخدم قدماء العرب أحجار العقيق (agate)، أو حجر الفيروز (turquoise) اللتان تعتبران صورتين طبيعيتين من صور معدن السيليكا اللتان تتشكل من ثاني أكسيد السيليسيوم (السيليكون) وهى تتواجد فى شبه جزيرة سيناء .
من جانب آخر فقد كانت الطينات من أوائل المصادر الطبيعية، التى تزخر بها الأرض، والتي استخدمت من قبل الحضارات القديمة فوق سطح الأرض وعلى رأسها الحضارات العربية لأغراض البناء، فقد استخدم قدماء المصريين رواسب الطينات التي تتشكل من الغرين الذي يحمله ماء النيل بصورة مستمرة ويقوم بترسيبها أثناء فيضانه عند مصبه عند دلتا النيل، وقد كانت الطرق التي كانوا يستخرجون بها تلك الرواسب الطينية تتمثل فى تصنيعها على شكل قوالب ويتم تعريضها للشمس لتتحول الى كتل شبه صخرية، وما تزال تلك الطرق والأساليب البدائية لإنتاج مثل هذا النوع من القوالب تستخدم في مصر ـ ويطلق عليها اسم ” الطوب اللبن “، وكانوا يستخدمون تلك القوالب في بناء بيوتهم .
إن ما سبق ذكره إنما يمثل في الواقع جانبا من جوانب علوم الأرض(الجيولوجيا) المتعددة وهو ما يطلق عليه حاليا اسم(الجيولوجيا الاقتصادية)، وفى الواقع فإن الجوانب الأخرى من علوم الأرض لم تكن تحظى حينذاك بجانب كبير من الاهتمام اللهم إلا ما يتعلق بأعمال الاستكشاف والبحث والتنقيب عن الخامات الطبيعية .
ومما يلفت الانتباه أن كافة المراجع العربية أو الأجنبية ذات العلاقة بعلوم الأرض لم تشر من قريب أو بعيد إلى دور العلماء من المسلمين أو العرب حول إسهاماتهم فى تطوير علوم الأرض مثلما يشار إلى أدوارهم في علوم أخرى مثل الطب والجراحة والكيمياء والرياضيات والفلك والبصريات وغيرها، وصار من الأمور المتداولة في الوقت الحاضر أن علم ” الجيولوجيا ” هو من العلوم المستحدثة التي نشأت في بلاد الغرب، وأن واضعي الأسس التي ارتبطت بالكثير من مجالاته وفروعه إنما هم من علماء الغرب دون أية إشارة إلى جهود من سبقهم من علماء المسلمين أو العرب أو غيرهم في ازدهار هذا العلم، اللهم إلا الإشارة إلى عدد من النظريات القديمة التي تنسب إلى فلاسفة إغريق أو رومان دون أن تتم الإشارة ولو لماماً إلى أي دور لعالم مسلم.
ولكي يتم التعريف بالدور الذي لعبه الأجداد من خلال إسهاماتهم في مجالات علوم الأرض، حين حاولوا تفسير العديد من الظواهر الطبيعية المرتبطة بالأرض، والتعرف على الصخور والمعادن وخصائصها الكيميائية والفيزيائية،ومجالات استخدامها لاسيما في مجالات الطب، حيث استعانوا بها في مختلف الأغراض سواء كانت للزينة أو إنتاج أدواتهم المنزلية وحتى أسلحتهم، كما قاموا بدراسة الأرض دراسة مستفيضة وفق ما كان متاحا لديهم من إمكانيات حينذاك.
إن هذا الكتاب هو في واقع الأمر محاولة ضرورية لابد منها لتعريف الأجيال القادمة بدور الإسلام كدين ساهم في فتح الآفاق نحو العلم والتعلم، باعتباره الدين الذي يدعو إلى العلم وطلب العلم، خاصة وان الكثير من آيات القرآن الكريم تحض على طلب العلم، وان كثيرا من أحاديث وأقوال رسول الله صلى الله علية وسلم تدعو وتحض على طلب العلم ولو في أقاصي الأرض، لذا فان واجبنا يقتضي منا ان نكشف للجميع الدور الذي قام به علماء المسلمين ودورهم بإسهاماتهم مهما كان حجمها في كافة المجالات العلمية، وبصفة خاصة علوم الأرض، التي يستكثر علماء الغرب أن يذكروا دورهم فيها ويجحدون ما بذلوه من جهود لتطوير العلوم الإنسانية بوجه عام .
(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)البقرة: ٢٨٦
” صدق الله العظيم ”