مقدمة الكتاب
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .
تُعد قضية تطوير التعليم من القضايا الملحة في مصر، باعتبارها حجر الزاوية في تقدم المجتمع ورقيه، وتحتل قضية التعليم العالي مكانة الصدارة في ذلك باعتباره أحد الدعائم الرئيسة في تحقيق التنمية الشاملة لما يلعبه من دور خطير في إعداد الكوادر البشرية التي تتطلبها مشروعات التنمية، ومن هنا أصبح التعليم العالي محور اهتمام جميع الدول سواء النامية أم المتقدمة.
فالتعليم العالي الذي يعد قمة السلم التعليمي هو المصدر الرئيس لإعداد القوى البشرية اللازمة لإحداث التنمية المجتمعية في مناشط الحياة كافة ، وهو عامل للتغيير الثقافى ومحرك لنمو الاقتصاد القومي وأداة لإدراك الطموحات الفردية والجماعية.
ولا تعد مؤسسات التعليم العالي في عالمنا المعاصر ميدان للتدريس فحسب، بل اتسعت مهامها لتكون مراكز للبحث والتخطيط للمستقبل باتجاه خلق القاعدة العلمية الرصينة ، ولقد أصبح من الضروري أن تقوم بدور رئيس في البناء الاجتماعي والثقافي وتحقيق التنمية المستديمة ، وأن تتوطد علاقتها بالمجتمع على كافة الأصعدة، وأن تسهم في العمل من أجل تحقيق قدر كافٍ من الرخاء المادي والمعنوي للفرد والمجتمع، وذلك من خلال تعميق الجوانب الإيجابية في الشخصية الإنسانية لمساعدتها في القيام بمهامها الدائمة والشاملة في بناء المجتمع وهو ما يعرف بين علماء الاجتماع والاقتصاد بالتنمية المستديمة.
ومن الطبيعي أن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم بمعزل عن مشاركة المجتمع بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية، ومن منظمات المجتمع المدني، ومن هياكل فكرية تتمثل اليوم في مؤسسات التعليم العالي التي تضم في أروقتها كليات، ومعاهد، ومراكز ومؤسسات علمية بحثية ، واجتماعية، وبيئية، يشترك في صياغتها القطاع الخاص مع مؤسسات الدولة.
إن غياب التواصل الفعال بين الجامعة والمجتمع من شأنه أن يؤثر تأثيرًا خطيرًا على تحقيق أهداف التنمية المستديمة ومشاريعها ، ليس هذا فحسب، بل يعيق ما تسعى إليه الدولة من طموحات تستهدف التخلي عن عتبة التخلف، وتخطيها من جهة، وتحقيق التقدم المنشود من جهة أخرى.
ولقد بات من الأمور المتفق عليها أن التقدم العلمي و التقني، والثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم اليوم، يضع على الأمم، التي تبغي النهوض، مسئوليات كبيرة وتحديات تدفعها إلى المبادرة في اقتناء تقنيات العصر واستخدامها من ناحية، وتطوير أساليب التعليم من ناحية أخرى .
فنجد الجامعات والمعاهد العليا، لا تزال أسيرة المنظومة الفكرية التقليدية في فلسفتها، ومناهجها، وهياكلها، وإدارتها، وأساليب تدريسها، وقلة بحوثها، وضعفها، وغياب برامجها في خدمة المجتمع، وضعف مستوى خريجيها، وانفصال معارفهم ومهاراتهم عن حاجة السوق، وضعف دورها في التنمية .
هذا فضلا عن إهمالها القضايا والمشكلات العلمية ذات الأهمية على الصعيدين الوطني والقومي، وهناك أربعة توجهات إستراتيجية، صار ملحا أن تتضافر في عملية جادة لإصلاح جذري للتعليم العالي في مصر تبدأ دون إبطاء .
إن الجامعات والمعاهد العليا لا تستطيع تأدية دورها في عملية التغيير والتقدم والبناء الحضاري بدون تطور سياسي واجتماعي واقتصادي موازٍ ومواكب لتطورها في جو ديموقراطي يتيح الفرصة كاملة لحرية البحث والرأي والنقد، ويرى البعض أن مؤسسات التعليم العالي تشكو أزمة حقيقية وهي جزء من أزمة التخلف العامة التي يعيشها المجتمع.
ولكي تقوم الجامعات والمعاهد العليا بدورها المطلوب في ميادين التنمية المستديمة، والإسهام في الإنتاج ،وقيادة المجتمع الفكرية يجب إعادة النظر جذرياً في هياكل التعليم كله، فالجامعات نشأت لتوفير عنصر الإنسان القادر على إيجاد وتطويع وتطوير أي صناعة، لصالح رفاهيته، وازدهاره .
وإن دعوة مؤسسات التعليم العالي لكي تأخذ دورها الفاعل في تقدم المجتمع وتنميته، وثمة أدبيات ترجع إلى السنوات العشر الماضية تؤكد على ضرورة تعميق التعاون بين مؤسسات التعليم العالي ومؤسسات الدولة والمشاريع الإنتاجية والخدمية والقطاع الخاص، إلا أن هذه الدعوات لم تجد لها صدى مناسبًا.
وقد أخذت مشكلات التعليم العالي تتفاقم في سياق عمليات التحول السياسي والإصلاح الاقتصادي ومتطلبات بناء مجتمع المعرفة على المستوى المحلي، وأخذت تلك المشكلات تتفاقم أيضا تحت تأثير التطور التكنولوجي، وتحديات سياسات العولمة، واختلال موازين القوى التقليدية على المستوى الدولي .
وإزاء هذه الواقع الذي تعاني منه الجامعات والمعاهد العليا، ومن أجل أن تغدو هذه المؤسسات للنهوض والتقدم والتنمية، بالقدر الذي يجعلها مستجيبة لظروف العالم المتغير، لابد من السعي باتجاه استحداث نظام واضح يحقق ارتباطا بين مؤسسات التعليم العالي ومؤسسات المجتمع والدولة يقوم على وضع برامج عمل مشتركة تستهدف إجراء دراسات أو تهيئة حلول لمشاكل فنية أو غيرها.
وإن إحداث هزة شديدة لمؤسسات التعليم العالي بهدف تحسين النوعية مع عدم السماح بإنشاء مؤسسات جديدة إلا بضمان مستوى نوعية أرقى جوهريا من المستهدف ولا يتم ذلك إلا بتفادي التكرار النمطي في نسق التعليم العالي ككل والتحول نحو نمط التعليم العالي المرن والمواكب لاحتياجات التنمية.
وتطوير المناهج والدراسات في مؤسسات التعليم العالي حسب أهداف كل جامعة ومعهد عال وبيئة توطنها واحتياجات المشاريع والمؤسسات التي يفترض أن ترتبط بها .
إعطاء المجال للتعليم الجامعي الأهلي والأجنبي وتشجيعه على فتح تخصصات جديدة لا تتوفر في التعليم العالي الرسمي مع ضمان تحقيق نوع من التعاون بين القطاعين التعليميين الحكومي والأهلي وبقاء إشراف الدولة الفكري على مؤسسات التعليم الأهلي والأجنبي ووفق ضوابط تلتزم بثوابت الوطن وخصوصياته مع متابعة وحل إشكالية التمويل وقبول المساعدات المالية من الخارج
وما يلفت النظر في سياق الكتاب عن حلول لمشكلات التعليم العالي، وفي سياق الجهود التي تبذل من أجل النهوض به وتطويره، هو استمرار ضعف إسهام المجتمع المدني بمؤسساته وفعاليته المتنوعة، إلى حد الغياب شبه التام عن هذا الميدان الحيوي . وبالمقابل دعوة مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة إلى طرح احتياجاتهم ومشاكلهم التي تعترض عملهم الإنتاجي والخدمي والمعرفي أمام الباحثين وأساتذة الجامعات، وكما هو جار في العالم المتقدم حتى يمكن وضع حلول لمشاكل العمل أو اقتراح بدائل للتطوير.
وهناك العديد من الدراسات التى أكدت على أهمية تطوير التعليم العالي من خلال مشاركة مؤسسات المجتمع المدني، والتركيز على أهمية التكامل بين هيئات المجتمع المدني المختلفة الأشكال، وإعادة تخطيط هيكلة الجامعات والكليات الأهلية غير الربحية، وبضرورة توفير الدعم المادي والمعنوي للكليات والجامعات لأهلية لتنظيم عمل هذه المؤسسات ومحاولة تحديدها في صورة فعالة، وهذا الأمر الذي يؤكد على أهمية تقديم رؤية مستقبلية لمشاركة المجتمع المدني في تطوير التعليم العالي في مصر في ضوء واقع هذا التعليم ومشكلاته في ضوء استطلاع آراء الخبراء والمعنيين، وفي ضوء الإفادة من الخبرات الأجنبية في هذا المجال .
ويتضح مما سبق أهمية مشاركة المجتمع المدني في حل مشكلات التعليم العالي بما يسهم تطويره وتحقيق أهدافه ووظائفه والتي ينعكس بدوره على تقدم المجتمع وتطوره .وهذا ما يقدمه الكتاب الذي بين أيديكم .
أرجو الله أن يرزقنا صدق القول، وإخلاص النية، والإحسن في العمل، وحسن الخاتمة، إنه سميع مجيب …..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المؤلفة
د/ شيرين حسن مبروك