حوار الحضارات ضرورة انسانية وتربوية للتفاهم الدولي

مقدمة
تأتي قضية الحوار بين الحضارات (الثقافات) من أهم القضايا الجدلية التي تشغل الفكر العربي والإسلامي في القرن الحادي والعشرين خصوصًا بعد ظهور بدعة صراع الحضارات أو صدام الحضارات التي تبناها بعض الكتاب الغربيين أمثال ” صامويل هنتنجتون ” و ” فرنسيس فوكاياما ” والذين روجوا لفكرة أن الحضارات تتصارع وتتصادم وأن الحضارة الإسلامية هي المرشحة دون غيرها من الحضارات لقيادة العالم الإسلامي بعد القضاء على الحضارة الغربية، وذلك على اعتبار أن الإسلام بأيديولوجيته المنظمة والمتماسكة، وبشريعته الدينية ومبادئه عن العدل السياسي والاجتماعي وجاذبيته العالمية، يمكن أن يصل إلى جميع الجنس البشري.
وإذا سلمنا بوجود حضارات متمايزة ومتباينة نتيجة تعدد الأنماط البشرية وتمايزها واختلافها، فإننا أمام تعددية حضارية بينها علاقات، وهذه العلاقات يراها البعض علاقات تنافس أو تدافع، ويراها البعض الآخر علاقات صدام وصراع، فعلاقات التنافس أو التدافع لا يتمخض عنها قضاء حضارة على أخرى، لأن ذلك أمر يتعارض مع معطيات التاريخ الذي يقدم لنا صورًا من ذوبان حضارة في أخرى نتيجة التفاعل لا الصدام، وأبرز الأمثلة على ذلك ما يقدمه لنا التاريخ من تفاعلات بين الحضارات وما كان يوجد بينها من علاقات التأثير والتأثر، فالحضارة المصرية القديمة كان لها علاقات قوية مع الحضارات الأخرى المعاصرة لها في كافة المجالات، وكذلك تأثرت الحضارة الإسلامية بالحضارات السابقة عليها كالحضارة اليونانية والرومانية، والجميع يعلم ما تركته الحضارة الإسلامية من أثر في مجال النظم والعلوم والفنون والآداب.
كما أن الواقع المعاش نجده هو الآخر يدحض فكرة صراع الحضارات على اعتبار أن العالم اليوم وفي عصر العولمة بمنجزاتها في التقريب بين الشعوب ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا يسعى إلى التقارب والاتصال والانفتاح على الآخرين، ولذلك يمكن القول بأن الحضارات أو الثقافات لا تتناحر ولا تتصادم وإنما تتفاعل وتتلاقح، بينما تتناحر وتتصادم الكيانات السياسية والدولية أو بمعنى أدق (الدول) ولا توجد طريقة لتجنب ذلك الصدام إلا بالحوار الخصب والممتد لاستئصال شأفة محصول هائل من سوء الفهم وسوء الظن بين الحضارة الغربية الحديثة وبين الحضارات الأخرى ولا سيما الحضارة العربية الإسلامية.
فكانت فكرة هذا الكتاب لتبيان مفاهيم الحوار الحضاري وأسسه في الحضارة الإسلامية ونقاط التلاقي والتفاهم الحضاري بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى على مر العصور التاريخية، ورصد جهود بعض المنظمات التربوية الدولية والإقليمية في مجال التقريب بين الحضارات وتعزيز مفهوم الحوار الحضاري على المستوى الإنساني والتربوي لنشر وتدعيم ثقافة الحوار بين الشعوب، كما ناقش هذا الكتاب دور التربية بوجه عام والمناهج الدراسية بوجه خاص في تنمية ثقافة الحوار الحضاري وقيم التفاهم الدولي بين الشعوب، فجاء الكتاب في خمسة فصول يمكن استعراضها كالتالي:
الفصل الأول: حــوار الحضــارات بين حضور المصطلح ومرونة الأطروحات الفكرية والسياسية والتربوية: حيث تناول هذا الفصل تحليلاً شاملاً لمفهوم حوار الحضارات، وظهور فكرة حوار الحضارات والموقف الدولي منها، وأهمية الحوار بين الحضارات في عصر العولمة، وجهود المنظمات التربوية الدولية والإقليمية في مجال حوار الحضارات.
الفصل الثاني: حوار الحضارات في ضوء التصور الإسلامي: حيث تناول هذا الفصل: الحوار في القرآن الكريم، مشروعية الحوار في الإسلام، المنهج الإسلامي وعلاقته بالآخر المختلف حضاريًا، رؤية نقدية لنظريات الصدام الحضاري في ضوء التصور الإسلامي، الموقف الإسلامي من فكرة حوار الحضارات.
الفصل الثالث: التواصل الحضاري بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى: حيث تناول هذا الفصل: أسس العلاقة المُثلى بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى، والتقاء الحضارة الإسلامية بكل من الحضارة اليونانية والرومانية والفارسية والصينية والهندية والروسية والإفريقية والغربية.
الفصل الرابع: دور المناهج الدراسية في تنمية ثقافة الحوار الحضاري: حيث تناول هذا الفصل: الاهتمام العالمي بتطوير المناهج الدراسية من أجل تنمية ثقافة الحوار الحضاري، دراسات وبحوث اهتمت بتدريس التاريخ الحضاري والثقافي للشعوب في المناهج الدراسية.
الفصل الخامس: حوار الحضارات من أجل تنمية قيم التفاهم الدولي: حيث تناول هذا الفصل مفهوم القيم وخصائصها ومكوناتها ومستوياتها وأهميتها واستراتيجيات تنميتها ومفهوم قيم التفاهم الدولي وأنواعها، وطبيعة مادة التاريخ وتنمية قيم التفاهم الدولي، ودور المعلم في تنمية قيم التفاهم الدولي، وحوار الحضارات وتنمية قيم التفاهم الدولي.