جرائم الحاسب الآلي

المقدمة
الحمد لله الذي علَم الإنسان ما لم يعلم، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على معلم البشرية الأكرم، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه الأسلم . وبعد
كل يوم والعلم يطالعنا بجديد في مختلف المجالات بصورة عامة وفي نطاق ما يسمى بثورة المعلومات بوجه خاص، حتى أن التفكير ليذهب إلى عدم ضرورة الحديث في هذا المجال، فما تراه اليوم مقبولاً، ربما تراه يوم غد، وربما يعتبر غداً يوماًً بعيداً فالعلم في تقدم في كل لحظة، غير مقبول . لذلك يكون الحديث فيه جهد ضائع، أو أنه غير منتج . لأن غاية البحوث في المجالات القانونية أن تعطي تصوراً عن موضوع معين يعتمد على عنصر الاستقرار والثبات النسبي نوعاً ما، ذلك الأمر الذي يسود العلاقات القانونية بشكل عام، ويسعى إلى ترسيخه، فجميع القواعد القانونية تعتمد على فكرة الثبات النسبي، حتى القواعد القانونية الجنائية، وهذا لا يعني أن الأخيرة لا تتغير، كما هو الأمر بالنسبة لبقية القواعد القانونية ، إذ أن الثبات من المحال، إنما أن القواعد القانونية بشكل عام والقواعد القانونية في فرع القانون الجنائي بوجه خاص قابلة للتغير بتغير المصالح التي يرى المشرع ضرورة التدخل لحمايتها، وليس هذا محل خلاف أو جدل، والشواهد عليه لا تحصى ولا تعد، وذلك بما يملك المشرع من سلطة التدخل في تعديل، أو إلغاء القوانين .
ولكن الأمر غير المعهود في الدراسات القانونية أن يحصل التغيير في القواعد القانونية، فتلغى قاعدة وتسن أخرى محلها، في كل يوم، الأمر الذي يزعزع الاستقرار، ويعدم الثقة ليس على صعيد علاقات الأفراد فيما بينهم فحسب، بل بين الأفراد في المجمع، والسلطة القابضة على زمام الأمور، والتي تتولى صيانة المصالح الجديرة بالحماية في ضوء فلسفتها ورؤيتها السياسية، على شكل قواعد قانونية تتولى صياغتها السلطة التي تتولى التشريع في هذا البلد أو ذاك .
وليس التطور في مجال أجهزة ثورة المعلومات هو العامل الوحيد الذي يقف وراء التردد في البحث في هذا المجال، إنما، ما يتمتع به هذا الجانب من غموض، أو عدم وضوح، على أغلب مستويات فئات المجتمع، بسبب حداثة هذا المجال، وحداثة التعامل به على صعيد بلداننا العربية .
والمعهود في سن القواعد القانونية أن يتمتع النص القانوني، وبشكل خاص في القانون الجنائي، لأنه يتعلق بحريات الأفراد، بالوضوح والتحديد، الأمر الذي يتطلب أن يكون من يتولى سن القواعد التي تحدد أنماط السلوك التي تدخل ضمن إطار مفهوم الجريمة المعلوماتية، محيطاً بهذا العلم، أو هذا المجال، أو على الأقل له دراية بأصول عمله، وبما يؤهله لأن يتصور أنماط السلوك التي تشكل اعتداءً عليه .
فالتطور المتسارع والغموض الذي يسيطر على الجانب المعلوماتي والغموض الذي يحيط بالجريمة المعلوماتية ذاتها حتى في البلدان التي أدخلت في تشريعاتها أنماط من هذه الجرائم ، وعدم دراية أصحاب الاختصاص في سن القواعد القانونية بأصول عمل هذا النظام، وعدم وضوح معالم هذه الجريمة، وعدم وضوح معالمها حتى على المشتغلين بالقضاء، لقلة القضايا التي عرضت على القضاء في البلدان التي بدأت تتعامل مع الجريمة المعلوماتية، لما تتمتع به الجريمة المعلوماتية من خصائص، وبشكل خاص فيما يتعلق بانعدام الدليل المادي، وصعوبة اكتشافها، إلى جانب عوامل أخرى سنردها خلال البحث . كل هذه العوامل في الوقت الذي تشكل فيه صعوبة من صعوبات البحث في هذا الموضوع، تشكل عاملاً من عوامل التردد للكتابة فيه .
لكننا مع ذلك خضنا غمار البحث لعلنا نبسط ما صعب منه، ونوضح ما غمض، ونرسم معالم ما لا معالم له، مع التأكيد على قلة ما كتب في هذا المجال، بالإضافة إلى ندرة التطبيقات القضائية للأسباب التي نوهنا عن بعضها وسننوه عن بعضها الآخر خلال البحث .
ووجدنا من الضروري أن نقسم البحث ثلاثة أبواب : الأول نخصصه لبيان مكونات الحاسب الآلي والوصف القانوني للاعتداءات التي تقع عليه أما الباب الثاني فخصصناه لبيان مبررات إقرار الحماية الجنائية لبرامج الحاسب الآلي أما الباب الثالث والأخير فقد خصصناه لبيان صور من الحماية الجنائية لبرامج الحاسب الآلي وموقف التشريعات من ذلك .
غير أننا وجدنا من الضروري أن نسبق ذلك بتمهيد عام نبين فيه بعض المفاهيم عن الحاسب الآلي، سواء من حيث تسميته والخلاف الذي ظهر بشأن تسميته وما صاحب ذلك من خلاف في تعريفه ، الأمر الذي لا يقتصر دوره على توضيح، أو إعطاء فكرة عن الجانب الذي تظهر من خلاله، أوفي نطاقه جرائم الحاسب الآلي