مقدمة الطبعة الأولى
يهدف الكتاب إلى تعريف طالب الهندسة المعمارية والمهتمين بها، أهم العمائر والحركات المعمارية والمعماريين عبر التاريخ من خــلال الأشكال التوضيحية إلى جانب المـعلومات المكتوبة التي تتناول غالباً السمة العامة المميزة لكل عصر وكل عمارة وكل حركة معمارية عبر التاريخ، ومن ثم التعريف بأهم الأبنية والأوابد، وأهــم المعماريين المعروفين في حينها إلى جانب السمـات العامة المعمــارية المميزة لكل عصر مع الأشكال التوضيحية، ويهتم هذا الكتاب بإلقاء الضوء على ماهية تأريخ العمارة عبر العصور التاريخية من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد وحتى يومنا هذا استنادا إلى كون العمارة تعد مرآة الحضارة وشاهداً صادقاً على منجزاتها، ولذا فقد تمت دراسة تأريخ العمارة في هذا الكتاب بثلاثة أبواب بدءاً من حضارات العالم القديم Ancient -World وحتى يومنا هذا من خلال عدة فصول تطرقت إلى النتاج المعماري والسمات المعمارية لكل من عمارة وادي الرافدين والعمارة المصرية والإغريقية والرومانية باعتبارها أهم عمائر الحضارات القديمة معترفين بأصالة وفضل غيرها من عمارات العالم القديم من مثل العمارة الهندية والعمارة الصينية والعمارة اليابانية والعمارة المكسيكية القديمة… الخ، ثم دراسة عمارة العصور الوسيطة بما تتضمن من عمارة فجر المسيحية والعمارة البيزنطية والرومانسك إلى جانب العمارة الغوطية ومن ثم دراسة العمارة الإسلامية التي أبدعها العرب والمسلمون، والتي بتفاعلها مع كل الحضارات التي تزامنت معها والتي سبقتها خلقت أروع العمائر الإسلامية من الصين شرقاً وحتى إسبانيا غرباً، لننتقل بعدها إلى عمارة عصر النهضة وما تلاها من متغيرات كانت وراء إنتاج العمارة الحديثة ومن ثم ما بعد الحداثة والعمارة المعاصرة بكل حركاتها وتوجهاتها المعمارية بجانبيها النظري بما يتضمنه من فكر يقف خلف تفسير الجانب التطبيقي الذي نلمسَهُ من خلال نتاج العمارة موضحاً ذلك بالوصف والتحليل والنقد أحياناً ،… ولابد من علمكم بالمصاعب التي تواجه الباحث عند محاولته تغطية كل تأريخ العمارة في كتاب واحد، لذا أقدم بين أيدي القراء والمهتمين هذا الكتاب آملة في تقديم خدمة متواضعة إلى العمارة خاصة والى المكتبة العربية عامة، والله من وراء القصد.
المؤلفة
الأستاذ الدكتورة قبيلة فارس المالكي
مقدمة الطبعة الثانية
نظراً إلى ما لَقِيَـتْهُ الطبعة الأولى من هذا الكتاب من استقبال واسع لدى طلبة الهندسة المعمارية والمهتمين بها وبشكل خاص بتاريخها عبر العصور، حتى نفذت تلك الطبعة ، ونظراً إلى رجوع الكثيرين إليَّ طالبين الحصول على نسخة من الكتاب ، قررت أن أقوم – بحول الله وقوته – بطبع الكتاب مرة ثانية.
إن صدور الطبعة الثانية للكتاب يدفعني أولاً لحمد الله العلي القدير الذي يسر لي أن أكون ممن قدم علما نافعا ينتفع به طلبة الهندسة المعمارية والمهتمين بها , فقد حققت الطبعة الأولى رواجاً وقبولاً علمياً في عدد كبير من الدول العربية بل ولطلبة العمارة العرب الدارسين في جامعات الدول غير العربية , فخير الناس أنفعهم للناس وأسأل الله أن يكون كتابي هذا إلى جانب كتبي الأخرى من الأعمال التي لا تنقطع كما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له ) .
فالحمد لله حمداً كثيراً على فضله، كما أننا بصدور الطبعة الثانية من الكتاب استدركنا بعض الأخطاء المطبعية البسيطة التي لا تكاد تذكر التي وردت في الطبعة الأولى، كما إن ذلك أعطاني الفرصة لحذف ودمج وإضافة بعض المعلومات بهدف استكمال المنفعة من الكتاب ومواكبة ما يحققه العلم من تطور دائم حيث لا يقف العلم والتعلم عند حد أو مقدار.
في طبعتنا الثانية ظل الكتاب مهتماً بإلقاء الضوء على ماهية تأريخ العمارة عبر العصور التاريخية من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد وحتى يومنا هذا استنادا إلى كون العمارة تعد مرآة الحضارة وشاهداً صادقاً على منجزاتها كما ذكرنا في طبعتنا الأولى، بدءاً من حضارات العالم القديم Ancient -World متطرقاً إلى النتاج المعماري والسمات المعمارية لكل من عمارة وادي الرافدين والعمارة المصرية والإغريقية والرومانية، ثم دراسة عمارة العصور الوسيطة Middle Agesبما تتضمن من عمارة فجر المسيحية والعمارة البيزنطية والرومانسك إلى جانب العمارة القوطية ومن ثم دراسة العمارة الإسلامية Islamic Architecture التي أبدعها العرب والمسلمون والتي خلقت
أروع العمائر الإسلامية من الصين شرقاً وحتى إسبانيا غرباً، لننتقل بعدها إلى عمارة عصر النهضة وما تلاها من متغيرات كانت وراء إنتاج العمارة الحديثة
Modern Architecture ، ومن ثم ما بعد الحداثة والعمارة المعاصرة بكل حركاتها وتوجهاتها المعمارية بجانبيها النظري بما يتضمنه من فكر يقف خلف تفسير الجانب التطبيقي الذي نلمسَهُ من خلال نتاج العمارة موضحاً ذلك بالوصف والتحليل والنقد أحياناً…، وأكرر ثانية أن محاولة تغطية كل تأريخ العمارة في كتاب واحد يواجه العديد من المصاعب لكثرة ما يمكن أن يكتب ويقال ولكنني لجأت إلى الاختصار والإيجاز في محاولة للمرور على كل عصور العمارة مع التأكيد على أهمها وأكثرها تأثيراً في دراسة العمارة، آملة من الله أن يمكنني من تقديم المزيد للعمارة خاصة والمكتبة العربية عامة , وأعد طالباتي وطلابي والمهتمين بالعمارة والمعماريين إن شاء الله بكتب أخرى لعلي أقدم نفعاً لكل من يسعى حثيثاً ومخلصاً في طلب العلم والتعلم .
ولا يخفى على المهتمين أن دراسة تاريخ العمارة عبر العصور إنما هو دراسة للعمارة من خلال التاريخ فتكون سجلاً له شاهداَ على صدق رواياته. لذلك كانت دراسة تاريخ العمارة منذ الماضي ليس لكي نضيع ونتوه في الماضي، ولكن لكي نبني أسساً راسخة ونضع أهدافاً أسمى لنتاجاتنا في المستقبل، فنتاج الماضي مصادر إلهام خصوصاً ما كان منها متميزاً وأكثر تفرداً وجمالاً وأكثر إبداعاً وابتكاراً، فالكثير الكثير من نتاجاتنا المعاصرة تستلهم بشكل أو بآخر من منجزات الماضي دون أن تبتعد عن روح العصر الذي هي فيه، ناهيك عن الحركات الإحيائية التي ظهرت في أزمان مختلفة خلال تاريخ العمارة… وكلها استندت في نتاجاتها إلى عمارة الماضي والعصر السابق لزمانها سواء منه القريب أو البعيد.
كما أن تاريخ العمارة – كما يراه إرنست بوردين – متداخل للغاية مع تاريخ الحضارة، ولذا يمكن فهم الحضارات المبكرة من خلال مبانيها وأشكالها الفنية، حيث أن العديد من الثقافات الأولى لم تترك أي سجلات مكتوبة، ولم يكن من الممكن فك رموز سجلاتها. ولذا تعد هذه البقايا الخالدة والمنحوتات مصدراً أساسياً للمعلومات. ويلعب التاريخ دوراً مهماً في مساعدتنا على فهم التصميم بمعناه الواسع وكذلك فهم العمارة بمعناها الواسع، ولكن هذا لا يعني أنه يجب تقليد (استنساخ) أشكال واتجاهات الفترات السابقة ولكن يمكننا الإبداع في إطار خلفية تاريخية أعرض.
و يتفق الكثيرون على أننا ندرس تاريخ العمارة بالبحث عن نماذج وأبنية ومنشآت تستحق الدراسة، أبنية تمثل تحفاً في بيئتها، أبنية فريدة عبرت عن إبداع من شيدها في عصرها ولا تقل إبداعاً ونحن نتطلع لها في عصرنا، كما ندرسها من خلال زيارتها وتفحصها وفهم المعاني التي تقف خلف كل خط من الخطوط التي كونتها إلى جانب ضرورة فهمها من خلال رسومات تخطيطية لها، ولابد لنا من إحكام النظر لكل جزء من أجزائها وعن قرب لفهمها، ولا يقل دور المطبوعات والمؤلفات عن ما تقدم ذكره في رفدنا بمعلومات قيمة عن تلك التحف والأوابد المعمارية التي تعطينا فكرة واضحة عن تطور العمارة عبر التاريخ.
ولتسهيل الرجوع إلى الفترات الزمنية المختلفة وللتذكير بكيفية ارتباط فترة بأخرى كان لزاماً علينا دراسة الطرز المعمارية التي تعد انتقالاً تدريجياً بالفعل أو تحولاً للعناصر من حضارة إلى الحضارة التي تليها، ولكن كل مبنى موجود له طرازstyle ، ونعني بذلك الطريقة التي عمل بها (صمم بها) كما يتميز من مواده، ويمكن تعريف الطراز بأنه تجميع للتكوينات التي استعملت بشكل متكرر في مجموعة من المباني لفترة تاريخية واحدة، فعندما تستخدم بشكل متكرر، تصبح شخصية مميزة لمباني تلك الفترة، وبذلك تنشأ الطرز من أسلافها أوهي رد فعل لها. (وتوضح الصور الأولى (1) (2) (3) (4) (5) (6) من صور الكتاب الملونة التي ارتأينا جمعها مع بعضها في آخر صفحات الكتاب، توضح طرز معمارية مختلفة عبر العصور, وهذه الصور الملونة هي من إضافات الطبعة الثانية بهدف استكمال حسن الإفادة من الكتاب).
وعلى الرغم من أننا سنستعرض الطرز المعمارية حسب ترتيبها التاريخي إلا إننا نؤكد أن الطرز قد تتداخل مع بعضها وتؤثر بعضها في البعض الآخر، وتتغير خلال مراحل نضج الحضارة وضعفها كما تتأثر بالمكان فتتغير عند انتقالها من مكان إلى آخر مما يولد اختلافات محلية بين الطرز، ولذلك فإن سنوات بدء طراز معماري معين أو سنوات انتهائه هي افتراضية ارتبطت بجوانب تاريخية وأحياناً سياسية، وبنشوء حضارة معينة أو أفول نجمها وبذلك سيسهم الزمان والمكان في دراسة طرز العمارة عبر التاريخ .
وفقنا الله وإياكم لمنفعة الناس، والله من وراء القصد
المؤلفة