المقدمة
الحمد لله الذي يسر لي أن أضع بين يدي القارئ الكريم كتابي هذا:
“القدس بين أطماع الصليبيين وتفريط الملك الكامل الأيوبي”.
إن هذا الكتاب ذو أهمية كبيرة لكل عربي ومسلم، إذ يوضح “الطريق الذي انتهجه الصليبيون لاحتلال بيت المقدس في ظل انقسام المسلمين إلى دويلات متصارعة، وتعاون بعضها مع الصليبيين، إننا نعيش اليوم في وضع أقرب ما يكون إلى ذلك الوضع الذي عاشه أجدادنا قبل حوالي ثمانية قرون، فالقدس تتعرض للخطر الصهيوني الذي تدعمه الولايات المتحدة والدول الغربية، والمسلمون منقسمون إلى دويلات تنخرها ريح الفرقة والتخاذل والإقليمية، وربما التعاون مع يهود. تاركين للفلسطينيين مواجهة هذا الخطر (الذي لا قبل لهم به).
شهدت سوريا ومصر في القرنين الخامس والسادس الهجريين عدة هجمات صليبية أدت إلى قيام إمارات صليبية في الرها، وأنطاكية، وطرابلس، وبيت المقدس، وأدرك المسلمون خطر هذه الهجمات، فبدأت محاولات متتالية لتوحيد المسلمين ومقاومة الزحف الصليبي، وقد نجح عماد الدين زنكي في إثارة مشاعر المسلمين، ووضع أساس حركة الجهاد، وتوحيد جهود بعض الإمارات الإسلامية، ونبذ ما بينها من منازعات، أملا في حشد طاقاتها لمواجهة العدوان الصليبي، وسار على نهجه ابنه نور الدين محمود.
تابع صلاح الدين جهود سابقيه في بناء الوحدة الإسلامية، فأسس الدولة الأيوبية في مصر والشام والحجاز واليمن، وكبح جماح الصليبين بعض الوقت، وما أن انتقل إلى الرفيق الأعلى حتى بدأت بذور التفكك تنخر دولته، فتجزأت بين أبنائه، وخلفائه، غير أن أخاه الملك العادل استطاع أن يحسم النـزاع وأن يسيطر على الموقف عندما قسم البلاد بين أبنائه، واحتفظ لنفسه بنوع من السيادة العليا، والحرية في تصريف الأمور. كما حاول تسوية النـزاع مع الصليبيين بوسائل سلمية، وعقد معاهدات متتالية لتجسيد ذلك، فاطمأن على استقرار دولته بهذه المعاهدات، غير أن الصليبيين نكثوا العهد، وهاجموا دمياط عام 615هـ-1218م على غير ما اعتقد الملك العادل.
كان الملك الكامل نائبا لوالده على مصر، فوقع عليه عبء الجهاد ومقاومة العدوان الصليبي، واستطاع أن يحشد قوات المسلمين وإجبار الصليبيين في دميـاط على إخلاء المدينة بموجب معاهدة بين الطرفين، وما أن انسحب الصليبيون حتى بدأت سلسلة من النـزاعات بين الملك الكامل وأخوته، حتى أصبح تاريخ هذه الفترة قصة تطفح بالمؤامرات والحروب بين أفراد الأسرة الأيوبية، وكل منهم يطمع في أن يوسع إمارته على حساب أخيه وجاره.
ويبدو أن الملك الكامل كان ذا قدرة عالية في استغلال الظروف المحيطـة، وكبح طموحات أخوته، ونجح في نهاية المطاف بالسيطرة على الأيوبيين، واستخدام المفاوضات الدبلوماسية مع الصليبيين، فاستعان بالإمبراطور فردريك الثاني لتحقيق أهدافه ضد أخوته ، فاستغل الأخير ذلك، وعقد مع الملك الكامل معاهدة استطاع بموجبها أن يحرز ودون قتال أكثر مما أحرزه الصليبيون في الحملة الصليبية الثالثة بالحرب.
يشمل الكتاب، مقدمة، تمهيداً، وثلاثة أبواب، وخاتمة.
استهل المؤلف الكتاب بلمحة تاريخية عن الأحداث التي سبقت حياة الملك الكامل في التمهيد، لربط أحداث الكتاب بالفترة التي سبقتها بأسلوب مناسب.
وخصص الباب الأول لسيرة الملك الكامل، حيث قسمـه إلى فصلين، وضح في الأول منهما أحوال المشرق قبل الملك الكامل، فيما ركز في الفصل الثاني على حياة الملك الكامل، ونشأته وثقافته وأسرته وولايته ووفاته.
وشمل الباب الثاني سياسة الملك الكامل الداخلية، وقسم إلى ثلاثة فصول، ضم الأول منها سياسة الملك الداخلية في مصر، وعولج في الثاني علاقة الملك الكامل مع الممالك الأيوبية، ونوقش في الفصل الثالث علاقة الملك الكامل مع الخلافة العباسية واليمن، وغيرها من الممالك الإسلامية كالدولة الخوارزمية والأراتقة والسلاجقـة الروم، والإشارة بعجالة قصيرة عن علاقة الملك الكامل والتتر.
أما الباب الثالث فقد تحدث الباحث فيه عن سياسة الملك الكامل الخارجية، وقُسِّم إلى ثلاثة فصول: وضح في الفصل الأول منها سياسة الملك الكامل الدفاعية لمواجهة العدوان الصليبي على مصر:وخصص الفصل الثاني للتفريط ببيت المقدس وتسليمها للإمبراطور فردريك الثاني، إثر عقد صلح يافا، وركز في الفصل الثالث على العلاقات التجارية بين إمارة الملك الكامل والأقطار الأخرى، وانتهى بخاتمة توضح أبرز ما توصلت إليه الدراسة، وأكملت الكتاب بتثبيت بعض الملاحق المهمة، وتثبيت المصادر والمراجع التي استخدمت، والفهارس.
قسمت موضوع الكتاب إلى ثلاثة أبواب لتسهيل معالجة الموضوع، ولتغطيته بشيء من الدقة والشمولية والتفصيل، فضلاً عن ارتباط المعلومات التي جاءت في كل باب مع بعضها، وقد آثرت أن أعالج سيرة الملك الكامل في باب خاص به لإبراز البيئة والجو الأسري الذي عاش فيه ، ومدى تأثير ذلك في سياسته.