المقدمة
يتناول هذا الكتاب الصلات الثقافية والسياسية والاجتماعية بين العرب وأفريقيا منذ أقدم العصور حيث انتقلت إليها طوائف من أبناء الشعب العربي عبر البحر الأحمر والبحر العربي وسيناء. وقد تعززت هذه الصلات بعد مجيء الإسلام فكانت بشكل شعبي عفوي دون تخطيط من دولة أو كيان رسمي في أغلب الحقب التاريخية. وقد أدت تلك الصلات إلى قيام نشاطات تجارية، وإلى استيطان أقوام من العرب في بقاع مختلفة من أفريقيا. ونتج عنها قيام حركات فكرية في بعض الجهات تحولت بعضها إلى دويلات صغيرة، أو دول كبيرة، واختلفت مدة أعمارها. كما أن بعض هذه الحركات لقيت رواجا شعبيا وقبلها الجمهور، إلا أنها لم تتحول إلى كيان سياسي، وبعضها الآخر لم يلق قبولاً تاماً، أو أن قبوله كان من قبل قلة من الشعب ثم حصلت له معارضة ورفض قبوله مما أدى إلى تقلص ظل مثل هذه الحركات وزوالها نهائيا.
إن الصلات بين العرب وأفريقيا كانت تمثل المنافع التجارية والاستيطان وإعمار الأراضي في الحقبة السابقة للإسلام، ثم أصبحت منطلقة من المنبع الإسلامي الثر بعد ذلك، مثل حركات المذاهب الفقهية، وحركات المذاهب الكلامية، وحركات المعارضة لدولة الإسلام، فضلاً عن حركات التصوف الإسلامي.
وقد أوجدت هذه الحركات صلات ثقافية متنوعة مـا بين شعوب أفريقيا والعرب فوحدت المشاعر والآمال، وأدت إلى قيام دول شارك فيها الزنوج إلى جانب البربر والعرب، كما هو الحال بالنسبة للمرابطين وإمبراطورية سنغي (سنغاي) ودويلات السودان الشرقي. كما أدت إلى وجود تراث فكري وأدبي مشترك. فبعد أن كان الأفارقة متلقين عن العرب أصبح فيهم الأدباء المترسلون والشعراء والفقهاء ممن ألف وفق المذهب المالكي في الفقه. أو في الطبقات مكملا سلسلة كتب الطبقات التي بدأها الأندلسيون والمغاربـة والمتصوفة المجاهدون الذين شرحوا عقائد الإسلام في أفريقيا الغربية والوسطى. وحتى أفريقيا الشرقية خلال قرون من العمل الدؤوب،لم تنقطع صلتهم بالوطن العربي. وقد توجت بحركة التجديد في البلاد الإسلامية، فكانت صلتهم بمصر والحجاز وثيقة مما كان له اثره البليغ في ظهور حركات الجهاد التي تولاها الحاج عثمان بن فودي.
إن الصلات بين العرب وافريقيا قديمة متأصلة الجذور أتت أكلها قديما، يثبت ذلك التراث الخطي المكتوب باللغة العربية لدى عدة دول أفريقية، والألفاظ العربية التي تسربت إلى اللغتين الكبيرتين، الهوسا في غرب أفريقيا والسواحلية في شرقها، والتي تصل نسبتها إلى 30% من مجموع مفرداتها.
إن هذه الصلة لم تنته لأن مصير وطننا العربي ودول أفريقيا مشترك. وكفاحهما مشترك ضد الاستعمار بأشكاله وخططه المختلفة وحليفته إسرائيل، مما يدعونا إلى إقامة الروابط التي تشدنا معا للتعاون وتحقيق أهدافنا الوطنية مسلمين وغير مسلمين خاصة إذا علمنا أن بلادنا العربية أوسع رقعة في أفريقيا منها في آسيا. حيث يقع 72% من مساحتها في أفريقيا وتشغلها 13 قطراً عربيا، كما أنها في أفريقية أكثر عددا مما عليه في آسيا حيث يبلغ السكان العرب في كلا القارتين 150 مليونا ثلثهم في آسيا والثلثان الآخران في أفريقيا. وإن اللغة العربية أكبر اللغات المكتوبة في أفريقيا وأغناها وأقدمها. وأن العقيدة الإسلامية التي تجمع الأفارقة مع العرب هي السائدة.
أن الوطن العربي وأفريقيا مطمع أنظار الاستعمار لأنهما يمتلكان من احتياطي المعادن الشيء الكثير، مما تحتاجه الصناعة الأوربية والأمريكية، ففي الوطن العربي النفط والفوسفات، وفي أفريقيا اليورانيوم والماس والذهب والنحاس، فضلا عما تقدم هناك أمر لا ينسى، ويجب أن يبقى ماثلاً في الأذهان وهو الهجمة الاستعمارية التي تعرضت لها أفريقيا مثل ما تعرض لها الوطن العربي من استلاب لخيراته وهيمنة لثقافة غربية غريبة عن تراث أوطاننا مما جعل الوطن العربي وأفريقيا أطرافا خاضعة لمراكز أوربية، فانقطعت الصلة أو كادت بينهما فاستعمل المستعمر المهيمن هذه الحالة ليمعن في إبعاد الأفارقة عن مصدر الحضارة الإسلامية ومنبعها لإضعاف الصلة العضوية ما بين العرب وأفريقيا، وليصلوا بعدها إلى تغذية شعور الحقد ضد العرب، وشن الحملات الدعائية ضد الإسلام، لأنه استطاع أن يقوم بدور المحفز للمقاومة ضد الاستعمال والاستلاب الثقافي، كما استطاع أن يحقق للأفارقة وجودا حضاريا متميزاً.
وقد دفعني لكتابة هذا الكتاب تكليف أنيط بي لأقوم بتدريس مادة (الإسلام في أفريقيا) عام 1984 ثم أعيد تكليفي عام 1986. وشاءت الصدف أن أحضر ندوة عن العلاقة بين العرب وأفريقية في القطر التونسي في أيلول سنة 1985. مما زاد إطلاعي على الموضوع، وحبب إلى نفسي الخوض فيه فضلا عن تهيئة مادة أستعين بها في تدريسي. وهكذا خضت غمار هذا الموضوع الواسع.
ويجدر بنا أن نشير هنا إلى الجهود التي تبذلها بعض الهيئات العربية والإسلامية لترصين الصلة ما بين العرب وأفريقيا، ولا سيما فيما يتصل بنشر اللغة العربية وتعزيز مكانتها في البلاد الأفريقية غير العربية. ومن هذه الهيئات جامعة الدول العربية، والمؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وكلية الدعوة الإسلامية في الجماهيرية العربية الليبية.
وهكذا تمثل هذه الدراسة المتواضعة رصدا تاريخيا مختصرا لما كان من صلات بين العرب وأفريقيا، أردنا منه بيان عمق هذه الصلة وتأكيد وجودها حاليا. وقد ختمتها بجملة مقترحات تفيد في رسم الخطط المستقبلية للتعاون بين أقطار الوطن العربي وأفريقيا استخلصتها من طائفة من الأبحاث الحديثة التي قرأتها.
والله أسأل أن ينفع بها
الدكتور بدري محمد فهد