المقدمة
الحمد لله القويِّ القادر الذي جعل الإحاطة على البشر مُتعذراً ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد الذي بُعث رحمةً للعالمين وآله الطاهرين صلاة ً وسلاماً دائمين إلى يوم الدين .
أمَّا بعد:
فإنَّ علم الصرف يعد ابرز علوم اللغة العربية إذْ يمثل نظام بناء كلماتها ويبين حروفها الأصلية و المزيدة ، وكل ما يجري على بنيتها من تغييرات ، فهو صنو النحو في عدّه نظاماً ، له خصائصه وقوانينه التي تميزه من غيره.
ومن أشهر المتون التي حملت قوانين ، هذا العلم ومعاييره هي : الشافية لابن الحاجب ( ت 646هـ) ، إذْ نَال هذا المتن من الاهتمام والعناية ما لَمْ ينله غيره ، ويرد هذا إلى جملة من الأسباب أبرزها : الشمولية ، وطبيعة التناول ، والسبق الزماني.
ومن وجوه هذا الاهتمام كثرة الشروح عليه ، إذْ لا يكاد يخلو قرن إلّا وفيه من الشرح عليه ، وحفل القرن الثامن الهجري بأكثر هذه الشروح .
وكان أبرزها شرحي ركن الدين الاستراباذي ، والنظّام النيسابوري ، فجاء عنوان الرسالة ( الدرس الصرفي بين ركن الدين الاستراباذي(ت715هـ ) والنظّام النيسابوري (ت بعد 850هـ ) في شرحيهما على شافية ابن الحاجب)، محاولةً للكشف عن طبيعة الدرس الصرفي في هذين الشرحين ، منهجاً ، وتحليلاً لآرائهما وردودهما.
واقتضت طبيعة البحث من حيث التنظيم أنْ يكون على تمهيد ، وأربعة فصول ثم الخاتمة.
فأمَّا التمهيد فقد تناولت فيه مصطلح التصريف أصالةً وكشفاً عمّا يتضمنه إلى زمان الشارحين.
وأمّا الفصل الأول : فقد تناولت فيه أدلة الصناعة عند الشارِحَيْن فضم أربعة مباحث هي:
المبحث الأول : السماع ، فشمل : القرآن الكريم ، وقراءاته ، والحديث النبوي الشريف، وكلام العرب شعراً ونثراً .
المبحث الثاني : القياس ، وفيه : القياس بحسب الاستعمال ، والقياس بحسب العلة ، والقياس بحسب الوضوح والخفاء .
المبحث الثالث : الإجماع ، وعرضت فيه مصطلحاته الواردة عند الشارِحَيْن.
المبحث الرابع : العلة الصرفية ، ودرست فيه موارد التعليل عند الشارِحَيْن ، وأنواع العلل التي عللا بها .
الفصل الثاني : آراؤهما الصرفية ، وقفت فيه على آرائهما الصرفية التي امتازت بالقلة، إذْ بلغت عندهما ثلاثة عشر رأيا قُسمت على مبحثين هما :
المبحث الأول : آراء ركن الدين الاستراباذي .
المبحث الثاني : آراء النظّام النيسابوري .
الفصل الثالث : درست فيه الخلاف الصرفي بين الشارِحَيْن وردودهما على العلماء،وهو على مبحثين هما :
المبحث الأول : الخلاف الصرفي بين الشارِحَيْن ، تناولت فيه ما اختلف فيه الشارحان في بعض المسائل الصرفية .
المبحث الثاني : ردودهما على العلماء ، تناولت فيه ردّ كلّ شارح منهما على العلماء،فوجدت أنَّهما ردّا على علماء كبار مثل : الخليل بن أحمد ( ت 175هـ) وسيبويه (180هـ ) وغيرهما .
الفصل الرابع : خصصته لمنهج الشارِحَيْن في الدرس الصرفي ، وقسّمته على ثلاثة مباحث هي :
المبحث الأول : مصادر الشارِحَيْن ، وهي على ضربين : الكتب والأعلام.
المبحث الثاني : منهجهما وأسلوبهما ، وقفت فيه على جملة من سمات أسلوبيهما.
المبحث الثالث : مذهبهما الصرفي ، وقد كشفت فيه عن مذهب الشارحين الصرفي ، بما أوتيت من أدلة وحجج .
ثم جاءت الخاتمة وفيها أهم النتائج التي توصل إليها البحث .
وقد واجه الباحث صعوبات منها : صعوبة الحصول على بعض المصادر، وصعوبة التنقل للحصول عليها ، ودقة المادة الصرفية نفسها .
وقد تنوعت مصادر البحث بين المصادر الأصول مثل كتاب سيبويه، والمقتضب للمبرد ( ت 285هـ ) ، والأصول لابن السراج ( ت 316هـ) ، والتعليقة لأبي علي الفارسي ( ت 377هـ) وغيرها ، ومصادر حديثة تمثلت بـ : أبنية الصرف في كتاب سيبويه للدكتورة خديجة الحديثي ، والعربية الفصحى للدكتور هنري فليش ، وأوزان الفعل ومعانيها للدكتور هاشم طه شلاش ، المنهج الصوتي للبنية العربية رؤية جديدة في الصرف العربي للدكتور عبد الصبور شاهين .
ولا أدّعي قط الكمال فيما كتبت بل فيه من الخطأ وعدم الصواب ما تصوبه القراءة الجادة ، والملاحظات السديدة من لدن القارئ الكريم ، المتفضل عليّ بمثل هذه الهدايا ، ولا أتبرّأ للقارئ من الإغفال الذي لا ينفك عنه البشر سهواً ووهماً ، ومن التعاطي لما لم أُحطْ به علماً ، وأرغب لمن حَقَّق فيه خللاً أنْ يثبته ويُفْصحه.
والحمد لله رب العالمين .
الباحث