مقدمة
الحمد لله ربّ العالمين وسلام على عباده الذين اصطفى.
الخط العربي منجز حضاري إنساني خالد، وتراث ضخم يمثل أبرز تجليات الحضارة العربية-الإسلامية.. بل هو الصورة الرائعة لتلك الحضارة في الماضي والحاضر والمستقبل. ومركز الثقل في كيانها الثقافي، والصلة الموضوعية بينها وبين التراث الإنساني؛ فهو لغة ثقافتها المكتوبة؛ ومستودع علومها وعطائها الفكري. كما هو فنها المقروء، والمتمم الجمالي لروائعها العمرانية ومنجزاتها الفنية. وفوق كل ذلك فهو رمزها الديني وأداة تدوين كتاب الله (تعالى) المعجز –القرآن الكريم-.
يقترن الخطّ العربيّ اقتراناً وجدانياً بمقومين من أبرز مقومات الحضارة العربية-الإسلامية؛ هما: العربية بوصفها فكر؛ والإسلام بوصفه نظام حياة شامل. فالعربية منطلق هذا الخط؛ والإسلام، هو الحاضنة التي تربى فيها ورعت نشأته الثانية ومراحل تطوّره، فأكسبه ذلك بتقادم الزمن صفة الوجدان الحضاري. إذ لم يعد لغة مكتوبة فحسب، وليس مادة تاريخية، ولا فناً يعرض الحقائق ويقدمها؛ وإنما هو كل ذلك؛ حقيقة كلية تنطوي على تفاعل اللّغة بالتاريخ والفن وتعرضه بمظهر إبداعي يجمع ما هو فكري إلى ما هو قيميّ؛ ومن ثم فهو –أي الخط العربي- مظهر رائع للقيم الروحية والأخلاقية والجمالية التي تتأسس عليها الثقافة العربية.
على ضوء هذه الرؤية يمكن القول: أن الخطّ العربي ظاهرة ثقافية ذات قيمة حضارية- إنسانية عميقة؛ هذه الظاهرة ترقى إلى مستوى الحقل المعرفي؛ وليس مهارة يدوية ذات مغزى معين. إذ يمنح المتلقي فيضاً من الشعور التاريخي –الزماني المكاني- وحساً حضارياً يناقش ما هو كامن وراء المحسوس؛ ويربي معاني الجمال.
وقضية كون الخطّ العربيّ حقلاً معرفياً تبدأ من التحدي الكبير الذي يطرح الخطَّ العربي أمام أية جهود فكرية وتنظيرية وبحثية بإزاء سؤال مثل: مَا الخطّ العربي؟. ومهما كانت الإجابة فسيتبين:
إنَّ الخطَّ العربيّ؛ حقل ثقافي من حقول المعرفة الإنسانية؛ موضوعه: علم الكتابة العربية والقلم، وفنهما. ومجال بحثه يتكون من تلاقي حقول معرفية عديدة، منها؛ العربية، التاريخ، الدين، الفن الإسلامي، علم الآثار. فهو: علم وفن. وعلمية الخطّ العربي تبدأ من كونه: فاعلية فكرية أساسية يجري أداؤها على ضوء قواعد مخصصة أسهمت إيجابياً في صنع المعرفة الإنسانية. وكونه فناً، فلتميزه بخصائص الفنون التشكيلية، وله تأثير على الذوق العام والتربية ورهافة الحس وشعور النفس بالرضا؛ ورفضها القبيح والتشويه.
ولعلَّ في ما تقدم ذكره ما يكفي من الأسباب لدراسة موضوع الخطّ العربيّ دراسة جادة؛ كما فيه من الدواعي ما يحمل المرء على أن ينظر إلى هذا الموضوع الحيوي كمسعى جاد يمكن أن يعزز الجهد المضاف فيه – على نحوٍ معين- الجهود السابقة التي حرثت للثقافة في هذا الحقل المعرفي البكر؛ وتلك الأسباب والدواعي معاً؛ حدتنا – من موقع متواضع- للقيام بهذهِ المحاولة الموسومة بـ: الخطّ العربي – المفهوم التاريخي والجمالي . نأمل أن تكون خطوة صحيحة في الاتجاه الذي بيّناه، لعلها تجدي نفعاً، وتحقق وكدها في الإطار الذي وضعت فيه؛ إذ تطرق موضوعاً قلما تناولته الدراسات بتخصص وشمول وتكثيف ومنهجية.
ومن دواعي الأمانة العلمية القول أن الدراسات والكتب التي تناولت موضوع الخطّ العربي وبحثت فيه كثيرة ومختلفة، أدّت على كثرتها واختلافها كثيراً من الفائدة والنفع؛ سواء في ذلك القديم منها أو الحديث. وقد أفادت هذهِ الدراسة كثيراً من الدراسات والكتب والرسائل التي سبقتها على ما سيتبيّن لنا؛ ولكن ليس بطريقة النقل الآلي للعبارات والآراء، وإنمّا من خلال محاولات الفهم لتلك الآراء والعبارات والنقول؛ ومحاولة التوصل إلى الأسس التي بُنيت عليها، ولاسيما في المفهومين التاريخي والجمالي، وصولاً إلى ما يضيف الجديد إلى ما هو معروف أو مكتوب.
ويقتضي الحق أن نبيّن هنا أن عناية العرب بخطهم قديمة، بدأت منذ أن انتشرت القراءة والكتابة بين المسلمين، وازدياد اهتمامهم بوضوح خطّهم وجمال رونقه؛ ثم أخذوا التأليف بموضوعه منذ القرن الثالث الهجري، فكتبوا عن الكتاب وآلات الكتابة؛ إذ يُذكر أن السبق في هذا الميدان لكاتب أسمه: (عبد الله بن عبد العزيز البغدادي) كان معاصراً للجاحظ ألّف بموضوع الخطّ العربي كتاباً أسماه: “الكتاب وصفة الدواة والقلم( )”. كما كتب ابن قتيبة (عبد الله بن مسلم الدِّينوري البغدادي؛ 213-276 هـ) رسالة في الخطّ والقلم. ثم ظهرت مؤلفات فيها مرويات كثيرة عن أصل الخطّ العربي، ومنها ما يبسط الحديث عن الخطّ وحسنه وقبحه وصفة القلم والحبر والدواة والقرطاس؛ ولعل أشهرها: فتوح البلدان للبلاذري (ت: 279 هـ). والعقد الفريد لأبن عبد ربه (ت: 328 هـ). وأدب الكُتّاب للصولي (ت: 335 هـ). وفي العصور اللاحقة ظهرت مؤلفات أخرى قيمة؛ مثل: منهاج الإصابة للزفتاوي (ت: 806 هـ). وتحفة أولي الألباب لأبن الصايغ (ت: 845 هـ). وصبح الأعشى للقلقشندي (ت: 821 هـ). وأخرى غيرها.
فإذا استثنينا كتاب “الكتاب وصفة الدواة والقلم” لمؤلفه عبد الله بن عبد العزيز البغدادي المذكور آنفاً؛ فإن هذه الدراسة أفادت كثيراً من المؤلفات المذكورة وأخرى غيرها تم ذكرها في ثبت المصادر والمراجع. وبقدر أو آخر أفادت من الدراسات والكتب الحديثة على اختلاف مناحي وجهات نظرها؛ فقد عوّلت على أغلب الدراسات والبحوث التي نشرها الأستاذ يوسف ذنون عن موضوع الخطّ العربي. كما رجعت إلى ما جاء في رسم المصحف للدكتور غانم قدوري الحمد. واستعانت بما كتبه الخطاط وليد الأعظمي عن الخطّ العربي وتراجم الخطاطين؛ وما ألّفه المؤرخ ناجي زين الدين المصرف في: مصور الخطّ العربي، وبدائع الخطّ العربي، وموسوعة الخطّ العربي.
كما اعتمدت الدراسة على كتب اللغة والمعاجم والتراجم ودواوين الشعر الجاهلي وبحسب ما مشار إليه في مواضع الاقتباسات وثبت المصادر والمراجع. وكان من منهج الدراسة الرجوع إلى القرآن الكريم وكتب التفسير بحسب مقتضيات الحاجة وضرورة البحث. كما رجعت إلى عدد من كتب التاريخ والفن والفلسفة.
ولابد من الإقرار – أيضاً- أن الدراسة بإزاء أرث ثقافي عظيم عمره يناهز خمسة عشر قرناً، ومن ثمّ فليس من المعقول أبداً أن تحيط بكل جوانبه، وليس من وكدها أن تحل كل معضلاته؛ أو أن تبحث في كل تراكماته؛ وإنما هي مُصمَمَة أصلاً لعرض مادتها من خلال منهج علمي محدد زمانياً من بوارد ظهور الكتابة ليكون ذلك تمهيداً لدراسة تطورّ الخطّ العربي في العصور المختلفة حتى العصر الحديث. وبطريقة استقرائية تبدأ من التعرّف على الحقائق الجزئية وصولاً إلى الحقائق الكلية التي تحيط بالمفهوم العريض للخطّ العربي. ومن ثم فإن هذهِ الدراسة بدأت من معنى الخطّ والكتابة مروراً بالتطوّر التاريخي استناداً إلى الرواية والرأي والفكرة والنظرية… ومن طبيعة الخطّ العربي والحقائق المتعلقة به كعنصر مرئي إلى جماليته وأنواعه وخصائصه. فالمنهج بحكم ذلك لا يخلو من الوصف والتحليل؛ كما أنه لا يخلو من النقد الموضوعي.
وفي هذا المقام لابد من القول أن المواد العلمية لهذهِ الدراسة تم جمعها خلال مدة طويلة نسبياً، استغرقت نحواً من عشرين عام، كان الباحث خلالها يجمع ما أمكنه من المصادر ليستخرج منها المواد ويدون ما يلزمه من الملاحظات لا من أجل دراسة بعينها، وإنما من أجل المعرفة ما أمكن؛ ولأجل أن يسير على هدى ما توصل إليه الخطاطون والباحثون في حقل الخطّ العربي؛ ولأجل هذا الغرض اتصل الباحث بطائفة من كبار الخطاطين المعاصرين، للوقوف على آرائهم بصدد شؤون مختلفة تتعلق بهذا الحقل؛ فكانت له مراسلات مع الخطاط العبقري والباحث المعروف يوسف ذنون؛ فأخذ عنه وبالمراسلة خطيّ الرقعة والديواني؛ وتعلّم منه الطريقة العلمية في تعلّم الخطّ العربي؛ كما أفاد من آرائه وتوجيهاته في مجال الدراسة والبحث. وكذلك اتصل بالخطاط المبدع طالب العزاوي وتعلم منه طريقة إعداد ورق الكتابة. واتصل بالخطاط المبدع عبد الكريم الرمضان وأفاد من آرائه وملاحظاته.
وكانت ثمرة هذا المسعى الطويل أن تراكمت المواد العلمية والملاحظات الفنية لدى الباحث، فنشر بعض ما تبلورت رؤيته لديه في عدد من المجلات والصحف العربية والعراقية( ). وبمرور الوقت عكف الباحث يدرس ما لديه من مادة ليلمَّ بها؛ فتكونت نتيجة لذلك مواد علمية وفنية وتاريخية أمدّت هذهِ الدراسة؛ ففي الوقت الذي نذكر فيه أساتذتنا الذين ذكرناهم بالشكر والعرفان، نبيّن بأنهم هم الرافد الأول في مصادر هذهِ الدراسة فضلاً عما اعتمدته من مصادر مكتوبة.
ومن موضع متواضع نقول أن هذهُ الدراسة تحمل مبررات انتسابها إلى حقل الخطّ العربي، إذ درست معناه ومفهومه التاريخي ومفهومه الجمالي، ورصدت جوانباً مهمة لم تنل نصيباً كافياً من الدراسة والبحث والتحليل من قبل، ولاسيما فيما يتعلق بالنظرية البنطية وأصل الخطّ العربي على ضوء الروايات العربية؛ ومعنى التوقيف؛ وتكفلت بدراسة معنى الجمال والأسس التي تقوم عليها جمالية الخط العربي، وأفردت مباحثاً لفنون الكتاب والقلم وأدوات الكتابة. وقد أولت الجانب الشكلي لعرض المعلومات أهمية خاصة من أجل تقديم المعلومات العلمية والتاريخية بتسلسلات منطقية منتظمة وباستقصاء منهجي وأمانة علمية في الاقتباس والإحالة.
كذلك أولت الدراسة موضوع: المفهوم الجمالي للخطّ العربي أهمية خاصة، وأفردت لهذا الموضوع باباً مستقلاً درس مفهوم الجمال وعلاقته بالفن، كما درس مفهوم الجمال عند العرب مبيناً الجانبين: الشكلي المتعلق بالصفات الظاهرة (المنظورة) المدركة حسياً؛ والمعنوي المتعلق بالمضمون والقيم المدركة حدسياً… وفي فصول هذا الباب عرضت الدراسة لحقائق فنية كثيرة ذات صلة بالحرف العربي كعنصر مرئي؛ ومن هذا المنطلق حاولت دراسة “تشريح” الحرف والخطوط “المحاور” التي يتكون منها عند رسمه وأثناء تنقيل اليد وتسكينها واتجاهات الحرف قطرياً ودائرياً وصعوداً ونزولاً؛ ولأجل إتمام الفائدة في هذا الصدد قدمت الدراسة نماذجاً كثيرة من أشكال الحروف ومسمياتها؛ كما ألتفتت إلى القواعد الأسلوبية وضوابط الكتابة الفنية والأسس الجمالية التي تُبنى عليها جمالية الخطّ العربي.
ولعل من وضع الاعتراف القول بأن النماذج الخطّية التي تقدمها الدراسة، هي أشكال عامة للحرف العربي تم تنفيذ بعضها بقلم الباحث، وتم تنفيذ البعض الآخر منها، وبحسب مجريات البحث، نقلاً من خطوط كبار الخطاطين، باعتماد الورق الشفاف “التريست” وأسلوب التحبير. أمّا في ميزان الحروف فكان المعوّل عليه كراسة قواعد الخط العربي للخطّاط الكبير هاشم محمد البغدادي (رحمه الله).
ولغرض أن تحقق الدراسة الغرض في ترتيب وعرض مادتها، فقد انتظمت خطتها في ثلاثة أبواب، على النحو الآتي:
الباب الأوّل: الخطّ والكتابة.
انتظم هذا الباب في خمسة فصول هي:
الفصل الأول: معنى الخطّ والكتابة.
الفصل الثاني: نشوء الكتابة ومراحل تطوّرها.
الفصل الثالث: الكتابة في التاريخ العربيّ القديم.
الفصل الرابع: واقع الكتابة في شمالي الجزيرة العربية.
الفصل الخامس: الكتابة العربّية في الحجاز في العصر الجاهلي.
كوّنت الفصول الخمسة هذهِ مدخلاً للدراسة تكفل باستقصاء معنى الخطّ والكتابة لغةً، وتتبع التطور التاريخي للكتابة وصولاً إلى مفهوم عريض للخطّ العربي.
أمّا الباب الثاني فكان بعنوان: الخطّ العربي – تطوره التاريخي وأدواته. وانتظم هذا الباب في ثلاثة فصول تكفلت إيجاز التطوّر التاريخي للخطّ العربي، وسلطت الضوء على مقومات الكتابة الخطّية وآداب التكاتب؛ على النحو الآتي:
الفصل السادس: لمحة مِن تاريخ الخطّ العربي ومراحل تطوّره.
الفصل السابع: مقومات الكتابة الخطّية “الكاتب وأدوات الكتابة”.
الفصل الثامن: الكتاب وآداب التكاتب.
تحت العناوين المذكورة قدم هذا الباب توصيفاً عاماً لتطوّر الكتابة العربية التي أدركها العرب في العصر الجاهلي وتطوّرت برعايتهم في ظل الإسلام الحنيف في مكة والمدينة وانتشرت من هاتين الحاضرتين إلى الحواضر التي أسسها الإسلام، من حيث أنها كتابة هجائية مقعّدة ذات خصائص إملائية متكاملة وطريقة رسم معينة تتصف باليبوسة والأوضاع الصارمة، لحقها الإفتنان والتجويد في الكوفة فالشام فبغداد؛ حيث بلغت ببغداد وخلال العصر العباسي أوج تطورها بعد أن بُذلت الجهود الكبيرة في إصلاحها حتى ظهرت الخطوط الموزونة التي واصلت تطورها إلى عصر ابن مقلة (أوائل القرن الرابع الهجري) إذ استطاع هذا الخطاط العبقري أن يُرجع الخطوط إلى أصولها ويضع لها قواعد التحرير والتجويد ويحكم أبعاد الحروف بنسب وأبعاد دقيقة، مما أدى إلى ظهور الخطوط المنسوبة، التي شكل ظهورها الخطوة الأولى باتجاه دخول الكتابة العربية مجال الفن على يد الخطاط البغدادي علي بن هلال. والأخير سادت طريقته كمدرسة من أوائل مدارس الخطّ العربي تواترت زهاء ثلاثة قرون حتى تبناها الخطاط الكبير ياقوت المستعصمي خلال القرن السابع الهجري، فهذب أوضاع الحروف من انكباب واستلقاء وارتفع بالخطّ العربي إلى أعلى المستويات، فأخذ عنه العرب والأتراك والفرس، ولا زالت طريقته متواترة في كتابات كبار الخطاطين.
كما عرض هذا الباب لمقومات الكتابة الخطّية، فعرّف بـ”الكاتب” والشروط التي لابد من توافرها فيه. وأعطى وصفاً لأدوات الكتابة، من دواة وملحقاتها؛ وقرطاس وورق، وسلط الضوء على الطرق الفنية لإعداد ورق الكتابة. وعرّف بـ”القلم” والبَرْي وأقسامه. وقدم نبذة عن المداد والحبر. وختم القول في الحديث عن الكتاب وآداب التكاتب.
وأمّا الباب الثالث، وهو الباب الأخير، فكان بعنوان: المفهوم الجمالي للخطّ العربي. وتقصى هذا الباب المنظور الجمالي لفن الخطّ العربي، وللحرف العربي كعنصر مرئي وحرف مقروء. من خلال الفصول الآتية:
الفصل التاسع: مفهوم الجمال ومقاييس الجمالية الروحية في الخطّ العربي.
الفصل العاشر: جمالية الخطّ العربي.
وقد انضوت تحت الفصل التاسع عناوين فرعية؛ هي: معنى الجمال وتعريفه؛ الجمال الفني؛ مقاييس الجمال في المفهوم العربي: (وحدة الشكل والمضمون؛ توازن المادي والمعنوي؛ التجريد؛ مبدأ الجميل-الحميد).
وتناول الفصل العاشر؛ جمالية الخطّ العربي؛ من حيث: نُظم الكتابة العربّية رسماً ومقومات الجمال الفني؛ الكتابة الاعتيادية؛ الكتابة المجودة؛ الكتابة المتقنة وأحكام الإتقان. جمالية الخطّ العربي (اللوحة الخطية أنموذجاً). عناصر الجمال وأسسه في اللوحة الخطية (الصورة المثالية للحرف). القوة البلاغية والجمالية للكلمة؛ الخصائص التشكيلية. كما تناول: الفكر الجمالي والمعايير الموضوعية لجمالية الخطّ العربي؛ من خلال خاتمة الفصل.
وبشكل عام تضمنت الدراسة العديد من الأعمال الفنية والصور والجداول والنقوش، ابتغاءً لإتمام الفائدة. ومن مميزات هذهِ الدراسة أنها جمعت في مؤلف واحد: معنى الخطّ العربي، ومساره التطوري، ومفهومه الجمالي. وعنيت ما استطاعت بكل محور من هذهِ المحاور الثلاثة عناية تامة؛ فتقصت في مطالب فصولها العديد من القضايا العلمية والفنية والجمالية. وناقشت العديد من الموضوعات الجزئية، وبيّنت الكثير من المصطلحات الخطية التي غابت عن التداول؛ ودرست علامات الشكل من منطلق تجريدي رمزي.
ولابد من الاعتراف أن هذهِ الدراسة محاولة على طريق طلب المعرفة، وهي محاولة لا تدعي لنفسها الكمال. فربما تشوبها الهفوات، ولكن نرجو أن تكون هفواتها بسيطة ومبررة نظراً لما يكتنف موضوعها من صعوبات؛ وإذا مِن قصور قد اعتراها فبسبب شمولية منهجها وصعوبة الحرث في حقلها، وما تحتاجه من خبرة مؤرخ، ورؤية فنان؛ وأسلوب أديب، وصنعة خطاط خبير، وفكر فلسفي؛ ودراية بمناهج البحث؛ ويقيناً أن ذلك كُلّه أو على الأقل جُله لا يُجمع لقلم واحد على وجه الكمال. لذا نلتمس العذر عن كل عثرة أو هفوة وقعنا فيها أثناء سبرنا لهذا الغور الحالك، وحسبنا إنا حاولنا، ولعل محاولتنا سلطت الضوء على قضايا تتعلق بالحرف العربي ومساره التطوري تاريخاً وجمالاً.
وقبل البدء وفي الختام نحمد الله (تعالى) حمداً كثيراً يصل غاية رضاه سبحانه؛ فهو وحده المعين في إنجاز هذا الجهد الفردي. وفي هذا المقام أيضاً أكرر شكري وامتناني لأستاذي الخطاط الكبير والباحث المبدع يوسف ذنون عبد الله فهو الذي وضعني على طريق البحث العلمي وأنار لي الدرب للمسير على درب الخطّ العربي.
وإذا ليّ من حق أن أبدي رغبتي، فكل رغبتي أن تكون هذهِ الدراسة مسعى جاداً يُنتفع بهِ ويستفاد منه. وعلى الله تعالى وحده لا شريك له قصد السبيل، وهو وليّ التوفيق، وإياه اسأل الجزاء والعفو وإليه أنيب.
الخطاط
عبد القادر عاكول رحيمة/ بغداد
