مقدمة
كانت الحروب الاسلامية- الاوربية في القرنين السادس والسابع الهجريين، والتي دارت رحاها في بلاد الشام، ومصر واقليم الجزيرة، وعرفت في الأدبيات الغربية بـ(الحروب او الحملات الصليبية)، مرحلة مهمة من مراحل التاريخ الانساني الشرقي والغربي على السواء، بل لعلها الظاهرة الاهم التي استقطبت عناية المؤرخين الغربيين في مجمل التاريخ الاوربي الوسيط. وعاصرت بالمقابل حركة ازدهار غير مسبوقة للكتابة التاريخية العربية، تنوعت بين التاريخ العام، وتواريخ الاسر الحاكمة، وكتب التراجم، وسير الشخصيات وتواريخ المدن، ناهيك عن الكتب ذات الطابع الحربي، التي تناولت الاسلحة والفروسية والمناورات الحربية، وغيرها.
وقد اعتاد الغربيون منذ بداية التأليف عن هذه الحقبة التاريخية على ان يفهموها ويصوروها وفقاً لمنظورهم لها، فنجد أن اول الكتابات عنها هي تلك التي قدمها بعض من شارك في الحملة الصليبية الأولى كما هو الحال مع المؤرخ المجهول صاحب تاريخ اعمال الفرنجة، وما كتبه ريموند الاجيلي، وفوشيه الشارتري، وبطرس توديبود وآخرون. وتنوعت فيما بعد النتاجات الغربية التي أرخت للحملات وللاحتلال الاوربي (الصليبي) للأرض العربية والاسلامية، بين مشاهدات الرحالة والمقاتلين، والرسائل الموجهة الى اوربا والسجلات الكنسية والرسمية وغيرها. ويقف دون شك وليم رئيس اساقفة صور في مقدمة المؤرخين الغربيين المعاصرين للحروب الصليبية. وقد كتب في شأن كتابه الكثير بما لا حاجة لإعادة ترديده. ثم اكتسبت هذه الحروب منظورا اوسع عندما اصبحت ضمن سرد المؤرخين الرسميين للملوك الذين اشتركوا في الحملات الصليبية امثال روجر اوف هوفدن بالنسبة للملك الانكليزي ريتشارد الثاني الملقب بقلب الاسد او كتاب جوانفيل الشهير عن لويس التاسع.