المقدمة،،،
لا شـك بـأن الأصـل فـي إبـرام العقـود أنهـا تـتم بعـد مناقشـات ومفاوضـات بـین الأطـراف المتعاقـدة حـول المضـمون العقـدي وبـالأخص حـول شـروط العقـد، وإذا مـا حصـل تطـابق الإرادتـین انعقـد العقـد، فمبـدأ سـلطان الإرادة هـو الأصـل فـي إبــر ام العقـود، وهــذا المبــدأ یـؤدي بنــا إلـى القــول أن كــل الالتزامـات بــل كــل الــنظم القانونیــة ترجــع فــي مصــدرها إلــى الإرادة الحــرة أولاً، ولا تقتصــر الإرادة علـى أن تكـون مصـدر الالتزامـات، بـل هـي أیضـا المرجـع الأعلـى فیمـا یترتـب علـى هـذه الالتزامـات مـن آثـار، وعلیـه فـأن الإرادة الحـرة هـي التـي تهـیمن علـى جمیع مصادر الالتزام. ویترتــب علــى مــا ســبق انــه لا یصــح أن نقیــد مــن آثــار العقــد بحجــة أن هنـاك غبنـا فـي حـق احـد المتعاقـدین مـا دام انـه قـد رضـي بهـذا الغـبن، بـالرغم عمــا یقــال عــن التضــامن الاجتمــاعي والتعســف فــي اســتعمال الحــق وقواعــد العدالـة والنظـام العـام والتـي یجـب أن لا تغـرق فـي التحدیـد مـن سـلطان الإرادة، والأصــل انــه إذا مــا ابــرم العقــد عنــدها لا یجــوز نقضــه أو تعدیلــه إلا بــاردات الطـــرفین أو للأســـباب التـــي یقررهـــا القـــانون اســـتنادا إلـــى أن العقـــد شـــریعة المتعاقـدین، هـذا مـا جـاء الـنص لیـه فـي القـانون المـدني المصـري (م147)،والقـــــانون المـــــدني الأردنـــــي (م202/1)، والقـــــانون المـــــدني الفرنســـــي (م1134/2) إذ أن الاتفاقــات المبرمــة بشــكل قــانوني تأخــذ قــوة القــانون بالنســبة لمن ابرموها وانه لا یمكن العدول عنها إلا برضاء الأطراف المتعاقدة.
إلا أن التطـــورات التـــي شـــهدها العـــالم فـــي جمیـــع المجـــالات وخاصـــة الاقتصـادیة منهـا أدت إلـى عـدة تغیـرات، كـان مـن أهمهـا ظهـور عقـود الإذعـان ومنها عقود التأمین، والتي غالباً ما تطرح في شـكل عقـود نموذجیـة معـدة مسـبقاً بواسـطة مختصـین لمواجهـة كافـة الاحتمـالات، لا یكـون للمـؤمن لهـم الحـق فـي مناقشة شروطها، وتستعمل هذه الشـروط فـي العلاقـات العقدیـة أیـاً كـان المتعاقـد الآخر، والأصل أن تبرم العقـود بعـد مفاوضـات بـین الأطـراف المتعاقـدة فـي جـو من الحریة الكاملة في المناقشـة ومعرفـة كـل طـرف لكافـة حقوقـه والتزاماتـه علـى قـدم المســاواة بینهمــا وفقــا لمبــدأ الحریــة التعاقدیــة، هــذه الشــروط تعتبــر مجحفــة بـالطرف الآخـر الـذي لـم تتـوافر لـه الحریـة فـي مناقشـتها، الأمـر الـذي أدى إلـى اخـتلال مبــدأ المســاواة العقدیــة بــین الطــرفین، ممــا یخــل بــالتوازن العقــدي الــذي یحكم العقود، وبالتالي اعتبارها شروطا تعسفیة. و بالنسبة لعقد الإذعان فهو عقد صحیح كامل الأركان، حیـث لا یتعـرض أي مــن طرفیــه للغــش أو التــدلیس، ولكــن یكــون هنــاك طــرف قــوي فــي العقــد یفـرض شـروطه علـى الطـرف الآخـر الضـعیف الـذي لا یملـك إلا أن یقبلهـا لأنـه یفقـد المیـزة التـي سـوف یحصـل علیهـا مـن هـذا العقـد. والیـوم هنـاك أمثلـة كثیـرة وشـائعة، فعقـود شـركات الاتصـال وخـدمات الكمبیـوتر تضـع شـروطها مسـبقاً مـع طالــب الخدمــة الــذي لــیس لــه مناقشــة بنــود العقــود بــل فقــط التوقیــع علیهــا، أو رفـض هـذه الشـروط وبالتـالي حرمانـه مـن هـذه الخدمـة. ومـا ینطبـق علـى عقـود شـركات الاتصـال وخدمـة الإنترنـت ینطبـق أیضـاً علـى شـركات التـأمین وعقـود أملاك الدولة وغیرهـا، إذ أنهـا عقـود جـاهزة وفـق بنـود وشـروط موضـوعة مسـبقاً،
وتكـون فیهـا الیـد العلیـا للطــرف القـوي، أي الشـركة أو الدولـة، ولا یجـد الطــرف الضـعیف المـؤمن لـه مـا یتمسـك بـه عنـد وقـوع الخـلاف أو عـدم حصـوله علـى (الخدمة كاملة).
تضمنت القواعد العامـة للعقـود نوعـاً مـن الحمایـة، فـالطرف الضـعیف فـي ظل هذه القواعد كان یتمتع ببعض الحمایة وان كانـت ناقصـة وغیـر فعالـة نوعـا ما، إلا انه كانت تتضمن مجموعـة مـن المبـادئ التـي یمكـن اللجـوء إلیهـا لإلغـاء بعـض الشـروط التعسـفیة فـي عقــود الإذعـان ومنهـا عقـود التـأمین، إلا أن هــذه
القواعــد التقلیدیــة طرحــت إشــكالاً تمثــل بمــدى كفایتهــا لحمایــة المــؤمن لهــم فــي مواجهة المؤمن. وبسـبب ذلـك حاولـت بعـض التشـریعات مواجهـة اخـتلال التـوازن العقـدي في عقود الإذعان بصفة عامة وفي عقـود التـأمین بصـفة خاصـة، والـذي تحدثـه الشـروط التعسـفیة المفروضـة مـن قبـل المـؤمن علـى المـؤمن لـه باعتبـاره طرفــا مــذعنا ، مــن خــلال نصــوص قانونیــة آمــرة للحفــاظ علــى حقــوق المــؤمن لهــم والمستفیدین من التأمین في مواجهة شركات التـأمین. لسـد الثغـرات التـي اعتـرت
القواعــد التقلیدیــة فــي العقــود، وفــي إطــار طــرق حدیثــة للرقابــة علــى الشــروط التعسـفیة الــذي كانـت تعجــز عـن تحقیقــه القواعـد العامــة، حیـث لــم یكـن هنــاك
مفهوم واضح للشرط التعسـفي ولـم یكـن هنـاك معـاییر دقیقـة یحـدد كـون الشـروط الواردة في عقد التأمین تعسفیة أم لا. فمعظم التشریعات أشارت إلیها بعبـارات مقتضـبة وعالجتهـا إلـى حـد كبیـر الآراء الفقهیـة الإسـلامیة ، وجمیعهـا أخـذ بنظریـة التعسـف باسـتعمال الحـق وفـق معـاییره الـثلاث ، قصـد الاعتـداء ، والمصـلحة التـي تحتمـل النفـع والضـرر أكبـر مـن المنفعـة ، والمصــلحة غیـر المشـروعة أي أن محلهــا یكـون غیـر مشــروع ، وهذا یقتضي التعامل معهـا وكأنهـا جـزء لا یتجـزأ مـن الحریـة التعاقدیـة بمفهومهـا العام في ضوء أحكام النظریة العامة للقعود. كما أن رجال الفقه العربي لـم یتنـاولون هـذه الحریـة بالقـدر الـذي تسـتحقه، خاصـــة وأن التشـــریعات الإســـلامیة تحـــرم عقـــود المقـــامرة والغـــرر والإذعـــان والرهــان، وأن عقــد التــأمین مــن العقــود الاحتمالیــة، وهنــاك بعــض مــن فقهــاء الشریعة والقـانون قـد أجـاز عقـد التـأمین بشـروط ضـمن نصـوص القـانون المـدني فـي الـدول العربیـة كالقـانون المـدني المصـري والقـانون المـدني الأردنـي، والقـانون المــدني الســوري والقــانون المــدني العراقــي، والقــانون المــدني الكــویتي…الــخ،
والأبحــاث والدراســات القانونیــة والفقهیــة التــي تناولتهــا فــي مــدلولها الاجتمــاعي والاقتصـــادي، بـــالنظر إلـــى التشـــریعات الأوروبیـــة كفرنســـا وإ نجلتـــرا والولایـــات
المتحـدة التـي توسـعت فـي هـذا النـوع مـن الدراسـات مـن التـأمین واعتبارهـا مـن الفعالیات التي تنمي رأس المال وتحافظ علیه وطریقة لجمع الثروات. ولا شـك بـأن حمایـة المـؤمن لـه لا تقتصـر علـى كونـه الطـرف الضـعیف فـي عقـد مـن عقـود الإذعـان فقـط ، وإ نمـا لكونـه أیضـاً طرفـاً فـي عقـد مـن عقـود (1 (الاستهلاك . (2 (وهـذا مـا نجـده أیضـاً فـي عقـود الاسـتهلاك ، والتـي یقصـد بهـا العقـود التـي تـتم بـین مسـتهلك سـلعة او خدمـة مـا وبـین منتجهـا وموزعهـا، والتـي غالبـاً مـا تكـون عقود إذعان، وتعتبر عقود الاستهلاك فئة جدیدة من العقـود، ظهـرت بعـد اتجـاه التشـریعات المعاصـرة إلـى تـوفیر حمایـة خاصـة للمسـتهلك فـي فـي مواجهـة مـن یتعامل معه من منتجي السلع أو الخدمات وموزعیها.
تم إضافة “تنفيد العقوبات السالبة للحرية – دراسة مقارنة” إلى سلة مشترياتك. عرض السلة

تكنولوجيا المعلومات
$27.50 السعر الأصلي هو: $27.50.$25.00السعر الحالي هو: $25.00.
التعسّف في العقود الإذعان – عقود التأمين وعقود الاستهلاك (دراسة مقارنة) الجزء الأول
$17.50
عدد الصفحات: 243
سنة الطبع: 2020
نوع التجليد: كرتونية
رقم الطبعة: 1
لون الطباعة: ابيض
القياس (سم): 17×24
الوزن (كغم): 0.540
الباركود: 9789957187170
الوزن | 540 جرام |
---|---|
الأبعاد | 17 × 24 سنتيميتر |
رمز المنتج:
978-9957-18-717-1
التصنيف: القانون
الوصف
منتجات ذات صلة
الأحكام القانونية للضريبة على المبيعات الجزء الأول ( الضريبة على المبيعات ومشكلاتها التطبيقية )
$12.00
التحقيق الجنائي والأدلة الجرمية
التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات في العقود الدولية
$17.50
المبادئ العامة في القانون الدولي -المعاهدات الدولية ومبدأ حظر استخدام القوة وحق الدفاع الشرعي وحق تقرير المصير
$17.50
النظام القانوني لعمليات زرع الأعضاء البشرية
$6.00
تاريخ التدوين القانوني في الشرائع القديمة في وادي الرافدين ووادي النيل – دراسة تاريخية قانونية مقارنة
$17.50
قوانين حماية البيئة العربية
مؤشرات الحكم الرشيد
$20.00