تقديم
ولم يقف التسويق عند التطبيق في القطاع السلعي بل امتد نطاقه ليشمل نطاق الخدمات في المؤسسات التي تهدف والتي لا تهدف إلى الربح، وأيضاً امتد إلى تسويق الأفكار والأشخاص والمؤسسات بكافة أنواعها ومن بينها المؤسسات التي تعمل في مجال السياسة.
ومما لا شك فيه أن تسويق الأشخاص هو أحد الاتجاهات الحديثة والمعاصرة لدراسة التسويق الحديث، إلا أنه لم يلق الاهتمام اللازم من قبل الباحثين والكتاب وخاصة المتخصصين في مجال التسويق، مما انعكس على قلة الأدبيات الموضوعة في هذا المجال، وعدم تطور هذا الاتجاه بالشكل الذي يتناسب مع أهميته لمختلف المجتمعات ولأنه يمس حياتهم بشكل مباشر أو غير مباشر.. وعليه فإن الإطار المفاهيمي لهذا الاتجاه بقى غامضاً ومبهماً لدى الكثيرين حتى المختصين منهم.
وفي اعتقادنا أن التسويق للأشخاص* ليس مجرد نشاط تسويقي فقط، ولا هو نشاط سياسي أو استراتيجي أو سلوكي بل أنه في الحقيقة امتزاج بين هذه العلوم والمعارف، وبالتالي فإنه خليط متعدد الجوانب لكونه:
- نشاط تسويقي يستخدم التقنيات التسويقية الحديثة في التأثير على الأفراد داخل المجتمع.
- نشاط سياسي لأنه يعني بالكيفية التي يمكن لمنظمة سياسية (حزب أو مرشح) أن تمارس جزءاً مهماً من العمل السياسي، ألا وهو العمل في وسط الجماهيري (التحرك لكسب أو جمع التأييد وحشد الأصوات)… وغيرها من الممارسات السياسية المعروفة.
- نشاط استراتيجي لأنه يعتمد في مضامينه على الفكر الاستراتيجي في التخطيط ووضع الخطط وصياغة الاستراتيجيات بما تتضمن من سياسات وبرامج مختلفة للأنشطة التسويقية السياسية المراد تحقيقها وفقاً للأهداف العامة للمنظمة السياسية.
- نشاط سلوكي لأنه يعني بمعرفة تطلعات، حاجات، قضايا، هموم كل شريحة من الشرائح الاجتماعية داخل المجتمع، وبالتالي يهدف أيضاً لمعرفة مواقف وآراء واتجاهات هذه الشرائح نحو العمل السياسي بشكل عام.
وقد تطور مفهوم تسويق الأشخاص فيما بعد وأصبح له خصائصه البنائية، وأطره النظرية، وتطبيقاته العملية وخاصة بعد أن أدركت المؤسسات السياسية في بداية التسعينات من القرن الماضي أن فعالية التسويق السياسي تستلزم تغيير أسلوب عمل الأحزاب وضرورة التوجه بشكل أكبر نحو السوق في ظل المنافسة القائمة على النحو التالي:
- القيام بدراسة السوق الانتخابي من خلال استطلاعات الرأي والدراسات المسحية تمهيداً للتخطيط للحملة الانتخابية.
- تقديم صورة ذهنية جيدة عن الحزب و/أو المرشح السياسي.
- إقناع المواطنين بأهمية المشاركة في الحياة السياسية عن طريق التوجه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم الانتخابية.
- التأثير على جمهور الناخبين بالتصويت للحزب أو مرشح الحزب والحصول على التأييد الجماهيري المطلوب.
ويهدف تسويق الأشخاص إلى تخطيط وتنفيذ طريقة بناء الصورة الذهنية للحصول على الدعم والتأييد الجماعي لمؤسسة سياسية و/أو حزب سياسي و/أو مرشح سياسي، والمحافظة على هذا التأييد من خلال خلق مزايا تنافسية لهذا المنتج السياسي باستخدام استراتيجيات مخططة تعتمد على وسائل الاتصال الجماهيرية وغيرها من وسائل التأثير في السوق السياسي.
ومن هذا المنطلق بدأت المحاولات في كيفية تطبيق المفاهيم التسويقية في مجال التسويق السياسي، عندما تم التحول في علم السياسة من أنه علم السلطة أو الحكم إلى كونه العلاقة السياسية التي تحكم المجتمع السياسي، من خلال المحافظة على التماسك الاجتماعي والذي ينبثق عنه المظهر العقلاني للسلطة على مستوى الدولة. ومن ثم أدى ذلك إلى ضرورة الاهتمام بمفهوم السلوك السياسي، أي بدراسة القوى السياسية المتجهة نحو الحكم أكثر من الاهتمام بالقوى السياسية المنبثقة عن الحكومة والجماهير، وعندما أعطيت الأهمية الكبرى لمسألة معرفة كيف تتصرف الحكومة فيما يمنح لها من قوة أكثر من الاهتمام بمعرفة كيف تحكم الحكومة. إن مركز الاهتمام هو التشغيل أكثر من كونه غاية أو إمكانيات التفاعلية السياسية، ويعطي الاهتمام لما يمكن أن يؤثر في الحكم أكثر مما يعطي لممارسته أي لما ينبثق عنه.
ومن هنا ندرك بأن تسويق الأشخاص بات مهماً ممارسته من قبل الحكومات والجهات المشتغلة بالميدان السياسي وسوف تتضح لنا أهميته بصورة واضحة من خلال فصول هذا الكتاب….
والله نسأل التوفيق والسداد…
أ. د. محمد الصيرفي
(*) يستخدم لفظ تسويق الأشخاص لفظ مرادف للتسويق السياسي.
