المقدمة
يواجه العالم منذ بداية القرن الحادي والعشرين تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وتقنية، تحولت معظمها إلى تحديات كبيرة بالنسبة لمنظمات الأعمال، وقد أدى ذلك إلى ظهور مشاكل عديدة في أنشطة تلك المنظمات، مما استدعى إلى إجراء تغيير جذري أحياناً في المجالات والأنماط والأساليب والمعايير التي تحكم عمل هذه المنظمات.
حيث أصبحت الأساليب المطبقة بالأمس متقادمة اليوم، أي بمعنى غير ملائمة لمواجهة التقلبات البيئة الحالية، الأمر الذي لم تعد تصلح معه نظم وأساليب التخطيط التقليدية المعتمدة على التنبؤ والخبرة الماضية للمخطط في تحليل الأحداث التاريخية، فلم تعد هذه الآليات قادرة على مواجهة تحديات المستقبل والتكيّف مع المتغيرات العالمية المتسارعة والمتلاحقة بسبب عدم قدرة اسلوب التخطيط التقليدي من تحقيق أهدافها بسبب تقادم مستلزماتها التي كانت تعتمد لدراسة وتحليل بيئة مستقرة نوعاً ما، مما دعا ذلك الى التفكير في تحويل هذه المنظمات إلى منظمات رؤيوية سبّاقة (Proactive) على نحو تتوافر فيها إمكانية التفكير والتحليل الاستراتيجي في مجال رؤية المستقبل بما يضمن قراءته على نحو أكثر دقة وصولا للاستعداد لمواجهة تقلبات البيئة بشكلها المستمر والمتنامي، وان الادارات التي تعتمد على ردة الفعل (Reactive) ستتلاشى حتما في يوم من الايام وذلك بسبب انها لاتدرس ابعاد البيئة وتقلباتها.
من هنا أدركت المنظمات ما ستؤول إليه الحال مستقبلا من شدة المنافسة ومجابهة تحديات البيئة الخارجية والتي لا يمكن السيطرة عليها بسهوله، فسعت جاهدة إلى تطوير أساليب الأداء وطرائقه، وتحديثها باستمرار لتواكب العصر وأدخلت المزيد من الأفكار والمبتكرات لأجل الحفاظ على زبائنها القدامى والبحث عن زبائن جدد وتوسيع حصتها السوقية من خلال إيجاد أسواق جديدة وزيادة حصتها في الأسواق القديمة وان إستراتيجية المحيط الأزرق(*) خير دليل على ذلك.
(*) يعرّف الكتاَب إستراتيجية المحيط الأزرق على أنها البحث عن أسواق غير مكتشفة أو مناطق مجهولة من السوق والتي تمثل الصناعات غير الموجودة اليوم وهي إستراتيجية عمل تحفز خلق فضاء جديد للسوق بدلاً من التنافس في الصناعة الموجودة.
لذا أصبح من المحتم على المنظمات كافة أن تتكيّف وترتقي وتتميز في أدائها ومنتجاتها على نحو يرضي الزبون وتنمي حصتها السوقية وأن تأخذ بالأساليب والمفاهيم الإدارية الحديثة والتي من شأنها أن تحقق لها القدرة على اتخاذ القرار الصائب من بين حزمة من السيناريوهات المطروحة في نتائج التحليل البيئي لتصل إلى الأهداف الذي تعبّر عن تطلعاتها ورؤيتها.
ولأجل ذلك تحتاج المنظمات في الوقت الحاضر إلى التعامل مع المنافسة المحلية والعالمية من خلال إستراتيجية مدروسة ونظام إداري شامل يعمل على تقوية المنظمة ومعالجة نقاط ضعفها، وهنا برز التخطيط الاستراتيجي ليكون البوصلة الدالة الذي يبين للمنظمة وجهتها المستقبلية وكيفية حشد جهودها وطاقاتها ومواردها المتيسرة نحو أهدافها المرجوة، حيث تعد عملية التخطيط الاستراتيجي آلية رائعة من آليات التكيف الذي تسعى المنظمة المعاصرة إلى تحقيقه مع مجمل التغييرات البيئية التي تعيش فيها.
لذلك فإن على المديرين أن يدركوا بأن الأخذ بالتخطيط الاستراتيجي هو سبيلهم لمواجهة تلك التحديات، لكونه يعد ضرورة حتمية تعتمد لمجابهة المشكلات ومواجهة التحديات الحالية والمستقبلية في بيئة تسوده شدة المنافسة وكثرة التقلبات وازدياد المخاطر وذلك من خلال وضع استراتيجيات محددة للتعامل مع الأحداث وتحقيق المرونة في التعامل مع المتغيرات المتسارعة في مجالات الحياة المختلفة من خلال رؤية ثاقبة للبيئة والمستقبل.
يسعى الكاتب في هذا الكتاب إلى إعطاء صورة كاملة للـ(التخطيط الاستراتيجي) و(الميزة التنافسية) ضمن إطار شمولي مفاهيمي (معرفي) من اجل ايصال المعلومة الحديثة للقارئ والباحث والطالب ايضا، في حين ستكون الاعمال القادمة (عملية) تتضمن الخبرات التي جمعها الباحث من مختلف المصادر العربية والعالمية اضافة لخبرة الكاتب في احد المراكز التطويرية .
وتحقيقاً لما تقدم، جاء الكتاب في فصلين تضمن الفصل الأول التخطيط الاستراتيجي وتكون من مبحثين تناول الكاتب في الأول طبيعة التخطيط الاستراتيجي وفي الثاني خطوات ومراحل التخطيط الاستراتيجي في حين جاء الفصل الثاني بعنوان الميزة التنافسية بواقع مبحثين خصص الأول لأساسيات الميزة التنافسية والثاني لعوامل بناء الميزة التنافسية لتحقيق التوازن بين فصول الكتاب.
د.يحيى قحطان
