مقدمة
في العصر الرقمي، تستمر الابتكارات التكنولوجية في إعادة تشكيل الطريقة التي نتفاعل بها، ونتعامل، وندير أعمالنا. ومن بين هذه التقنيات التحويلية، تبرز تقنية البلوكشين (Blockchain) باعتبارها ابتكارًا رائدًا يتمتع بالقدرة على إحداث ثورة في الصناعات، وتعطيل نماذج الأعمال التقليدية، وتمكين الأفراد بطرق غير مسبوقة. منذ بداياتها المتواضعة باعتبارها التكنولوجيا الأساسية وراء البيتكوين (Bitcoin) ، تطورت البلوكشين لتصبح أداة متعددة الاستخدامات وقوية مع تطبيقات عبر مختلف القطاعات، من التمويل وإدارة سلسلة التوريد إلى الرعاية الصحية وما بعدها. بينما نبدأ في رحلة لاستكشاف تعقيدات وإمكانيات وآثار تقنية البلوكشين، يهدف هذا الكتاب إلى إزالة الغموض عن المفاهيم المعقدة، وتسليط الضوء على تطبيقاتها في العالم الحقيقي، وإلهام القراء لتصور مستقبل حيث الثقة والشفافية والتكامل. اللامركزية هي السائدة.
فهم البلوكشين: تحول نموذجي في الثقة
تعد تقنية البلوكشين في جوهرها تقنية دفتر الأستاذ الموزعة (Distributed ledger) التي تتيح إجراء المعاملات من نظير إلى نظير (Peer-to-Peer) وحفظ السجلات دون الحاجة إلى وسطاء أو سلطة مركزية. على عكس قواعد البيانات التقليدية، التي يسيطر عليها كيان واحد وعرضة للتلاعب أو التغيير، تعمل هذه التقنية على شبكة لا مركزية من أجهزة الكمبيوتر (العقد Nodes-)، حيث يحتفظ كل مشارك بنسخة من دفتر الحساب. يتم تسجيل المعاملات في كتل (Blocks)، والتي ترتبط بشكل مشفر ومختومة بالوقت لإنشاء سلسلة زمنية (Chain) من الكتل، ومن هنا جاء الاسم Block-chain. تضمن هذه الطبيعة الغير قابلة للتغيير والشفافة سلامة وأمن سجلات المعاملات، مما يعزز الثقة والمساءلة في التفاعلات الرقمية.
يمكن إرجاع نشأة البلوكشين إلى ورقة بيضاء نشرت في عام 2008 من قبل فرد مجهول أو مجموعة من الأفراد تحت اسم مستعار ساتوشي ناكاموتو(Satoshi Nakamoto). قدمت الورقة عملة البيتكوين، وهي أول عملة مشفرة لامركزية في العالم، وأوجزت تقنية البلوكشين الأساسية التي تعمل عليها. لقد استحوذ النهج الثوري الذي اتبعته عملة البيتكوين في التحويلات النقدية الإلكترونية من نظير إلى نظير(Peer-to-Peer) والمتحرر من سيطرة البنوك أو الحكومات، على خيال خبراء التكنولوجيا، والليبراليين، ورجال الأعمال على حد سواء، مما أشعل شرارة ظاهرة عالمية ووضع الأساس لاعتماد تكنولوجيا سلسلة الكتل على نطاق أوسع.
