المقدمة
تعد الموارد البشرية كنوزا حقيقية في الاقتصاديات الحديثة نظرا لما تساهم به في تحقيق الأهداف الاستراتيجية، فضلا عن دورها في تثمين باقي الموارد، اذ يتحدد مستوى نشاط مختلف الوظائف داخل المنظمات بمدى كفاءة وفعالية المورد البشري، وعليه فهو من المواضيع المهمة التي تحظى بأهمية بالغة لجعل دول العالم تسعى للاستثمار في الإنسان باعتباره شرط أساسي للتقدم، ونظراً لأن البشر هم الثروة الحقيقية لأي أمة فأن قدراتها تكمن فيما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على التكيف والتعامل مع أي جديد بكفاءة وفاعلية، فالتعليم على أي مستوى كان يعد من الاشكال الرئيسة للاستثمار في رأس المال البشري ويؤدي دوراً هاماً في تحسين الافاق المؤاتية للنمو الاقتصادي وتخفيض إعداد العاطلين، وبالتالي يتعين أن تكون جهود البلد من حيث الأنفاق والتوعية مرتبطة ايجابياً بنمو رأس المال البشري واستثماره، وعلى هذا الاساس أن يكون الإنفاق على التعليم مكافئاً للاستثمار في رأس المال البشري.
العراق يتمتع بميزات تنموية عديدة تؤهله أن يكون في عداد الدول المتسارعة في طريق النمو والتقدم، فضلاً عن وفرة موارده الطبيعية وقدراته الكامنة والظاهرة، إذ إنه يتمتع بموارد بشرية ذات ميزات نسبية معروفة وهبة ديموغرافية واعدة لغلبة فئة الشباب لرفد سوق العمل بما يحتاجه من مهارات ومعارف تؤهلها للموائمة مع التطورات التكنولوجية الحديثة فيما اذا تم تهيئتها وإعدادها على الوجه الصحيح، اذ ان سوق العمل أساساً يعتمد على رأس المال البشري، كونه المؤثر الحقيقي في إنجاح سوق العمل لزيادة قيمة الناتج النهائي عن طريق الاستثمار فيه، غير ان الجيل الحالي كان من ضحايا العقديين الأخيرين والحروب والمنازعات والصراعات، فضلاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة، فالعملية التربوية والعلمية وكما ترصدها المؤشرات الإحصائية ظلت ولا تزال تعاني عموماً من تحديات واشكاليات تتطلب تدخلاً وجهداً مؤسسياً ومجتمعياً لمواجهتها، وأكثر التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي اليوم هي الخطوة الأولى أو نقطة الانطلاق فهنالك تخلف في القطاعات الرئيسة كالقطاع الزراعي والصناعي، تدمير في البنى التحتية، اختلال في الإنتاج، معدلات عالية من البطالة وتفاوت كبير في توزيع الدخول، ولذا يجب تحديد ما هو المهم وما هو ألاهم، وما تجربة دول اليابان وماليزيا وسنغافورة منا ببعيد، فتلك الأمم التي قطعت على نفسها التزامات هامة تجاه تجميع رأس المال البشري وتحويله إلى طاقة وميزة تنافسية عالية تم توجيهها إلى استثمارات عالية الإنتاجية كان مبعثه إيمانها بأن سر نهضتها ونموها يكمن في عقول أبنائها وسواعدهم، وقد كان ثمار ذلك أن حققت اقتصاديات تلك البلدان معدلات متسارعة من النمو فاقت بها أكثر البلدان تقدماً، وأصبحت مثلا يحتذى به لكل من أراد أن يلحق بركب التقدم.
أولاً: مشكلة البحث
تكمن مشكلة البحث في إن العراق من الدول ألتي يتمتع بموارد بشرية ذات ميزات نسبية وهبة ديموغرافية واعدة لغلبة فئة الشباب لرفد سوق العمل بما يحتاجه من مهارات ومعارف تؤهلها للموائمة مع التطورات التكنولوجية الحديثة يقابله بطئ في نمو السوق العراقي وإنخفاض في مستوى الإنتاجية وزيادة معدلات البطالة بكافة أنواعها، هذا يشكل إختلال في التوازن بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل في العراق.
ويمكننا طرح المشكلة الأساسية في التساؤلات الفرعية الآتية:
1- هل يساهم الإنفاق الحكومي على التعليم في تحسين نوعية مخرجات العملية التعليمية؟
2- هل يرتبط إرتفاع معدل نمو العمالة في سوق العمل في العراق بإرتفاع مستوى الحالة التعليمية للطالب؟
3- هل إن إرتفاع معدل نمو العمالة في سوق العمل العراقية ساهم في تخفيض معدلات البطالة؟
ثانياً: أهمية البحث
تتجلى أهمية البحث في التأكيد على أهمية الإستثمار في الموارد البشرية من خلال التعليم في العراق، في ظل إختلال التوازن بين مخرجات التعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل، إذ يلقي البحث الضوء على طبيعة وواقع التعليم الجامعي في العراق، وكيفية تنمية وإستثمار الفئة الشابة المتعلمة بما يخدم متطلبات سوق العمل لتحقيق التنمية الشاملة.
ثالثاً: فرضية البحث
ينطلق البحث من فرضية مفادها إن الإنفاق على التعليم لم يمارس دوراً إيجابياً في الحد من البطالة، وإن الإستثمار في المورد البشري والإنفاق عليه لم يمارس دوراً إيجابياً لمتطلبات مدخلات ومخرجات التعليم، مما أثر سلباً على سوق العمل وزيادة البطالة.
ويفترض البحث إن إثارة التساؤلات الفرعية تقودنا إلى وضع إجابات فرضية نعمل لاحقاً على إختبارها والتعرف على مدى صحتها أو خطأها:
1- هناك علاقة ذات دلالة معنوية بين الإنفاق الحكومي العام والإنفاق على التعليم في العراق.
2- هناك علاقة ذات دلالة معنوية بين الإنفاق الحكومي على التعليم وبين معدل نمو العمالة في سوق العمل(جودة المخرج التعليمي).
3- هناك علاقة ذات دلالة معنوية بين حصة الطالب من الانفاق على التعليم وبين معدل نمو العمالة في سوق العمل (جودة المخرج التعليمي).
رابعاً: هدف البحث
يهدف البحث إلى التحقق من مدى صحة الفرضية التي تم طرحها من عدمها وذلك من خلال محاولة تحقيق:
1-التعرف على مفهوم الموارد البشرية والاستثمار التعليمي في رأس المال البشري وسوق العمل.
2-تحديد مؤشرات التعليم وتحليلها في العراق.
3-معرفة مدى ملائمة مخرجات التعليم لإحتياجات سوق العمل في العراق، بما يسمح بتطوير جودة التعليم.
خامساً: منهجية البحث
بغية التأكد من مدى مصداقية الفرضية المطروحة في البحث فقد تم الاعتماد على اسلوب التحليل النظري والعملي لسنوات الدراسة (2002-2016) مدعماً ومستنداً على مجموعة من المؤشرات والبيانات الرقمية والجداول المستخرجة من المصادر والأشكال والرسوم البيانية، فضلاً عن إستخدام إسلوب التحليل الكمي القائم على القياس الإقتصادي بإستخدام برنامج (Eviews9) لإختبار فرضيات البحث ولقياس مدى إستقرارية المعلمات، وتم إختبار قوة هذه النماذج من خلال الإختبارات الإحصائية كأختبار (T-Test) وإختبار (F) ومعامل التحديد (R²) للوصول إلى نتائج تطابق ما تم التطرق له نظرياً وصولاً إلى الإستنتاجات والتوصيات التقييمية.
سادساً: الحدود الزمانية والمكانية
تتلخص حدود البحث الزمانية في المدة الزمنية (2002 –2016 )، أما الحدود المكانية فقد ركزت على العراق والإستشهاد ببعض التجارب الدولية كـ(ماليزيا وسنغافورة واليابان).
سابعاً: هيكلية البحث
يتكون هيكل البحث من مقدمة وثلاثة فصول وإستنتاجات وتوصيات، إذ تضمن الفصل الأول تسليط الضوء على أهم الجوانب النظرية والمفاهيمية لمفهوم المورد البشري وإستثماره ورأس المال البشري الذي يرتبط بالموارد البشرية إرتباطاً يشبه التوأم لإنه أهم نتائج إدارة الموارد البشرية المتاحة بالمنظمة أو المؤسسة ومحسوبة ومقدرة بقيمة ما تم إنفاقه عليها من تعليم وتدريب وتطوير ورعاية وسوق العمل، عبر ثلاث مباحث تناول فيها المبحث الاول مفهوم الموارد البشرية وتنميتها والأسباب التي دعت لتنميتها ومفهوم رأس المال البشري والاستثمار فيه والتركيز على أهميته ومكوناته وابعاده المهمة، في حين تناول المبحث الثاني الإطار المفاهيمي للسكان والقوى العاملة بأعتباره منبع رأس المال البشري، كذلك التعرف على مفهوم سوق العمل والآلية التي تعمل بها جوانب سوق العمل وأهم الخصائص التي يتميز بها، والإختلالات التي تشوبه واهمها البطالة والتعرف على انواعها واسبابها والآثار الناجمة عنها بأعتبارها هدراً للطاقات البشرية، والمبحث الثالث جاء بأهم وسائل الإستثمار في رأس المال البشري وهي التعليم والتدريب والتطوير ويعد التعليم والإنفاق عليه الوسيلة الاكثر فاعلية في تطوير الموارد البشرية وجعلهم قوة فاعلة تحقق التنمية لمجتمعاتهم.
أما الفصل الثاني فقد تطرقنا إلى بعض النماذج الدولية في استثمارها للمورد البشري في التعليم كالتجربة الماليزية والسنغافورية واليابانية في المبحث الأول، اما المبحث الثاني فقد اوضحنا فيه حجم السكان في العراق وبشكل خاص اتجاهات التحول الديموغرافي والتركيب العمري والنوعي والبيئي للسكان وخاصة ان العراق على اعتاب ظاهرة الهبة الديموغرافية التي تتميز بارتفاع اعداد السكان النشطين اقتصادياً هذه الفئة القادرة على العمل والانتاج وتقليل الضغوط على الموارد من جراء الزيادة السكانية اذا ما توفرت لهم سبل العمل، وايضا تم فيه بيان واقع سوق العمل العراقي بعد عام 2003 الذي يتميز باختلالات هيكلية واسعة واهم اختلال هو البطالة. والمبحث الثالث يوضح العلاقة بين الاستثمار التعليمي ومدى ملائمته لإحتياجات سوق العمل العراقي، والفصل الثالث تضمن الجانب التحليلي الكمي لإثر بعض مؤشرات الإستثمار في رأس المال البشري كالإنفاق الحكومي على التعليم وحصة الطالب من الإنفاق على التعليم وجودة المخرجات التعليمية وحجم العمالة من حملة الشهادات لبحث العلاقة المعنوية بين متغيرات البحث بإستخدام بعض الأدوات