المقدمة
تساعد دراسة الأدب على إتاحة الفرصة أمام الطالب لأن يعرف نفسه من خلال ما يقرأ عن الآخرين ؛ لأنه يتمتع بما يتمتع به غيره من أحاسيس ومشاعر ، ولذلك فالأدب الحقيقي هو ما كان معبراً بصدق عن تلك المشاعر والأحاسيس ، ودراسة الأدب تزود الطالب بالفكر وتمده بالمعارف والمعلومات وتنمى القيم الروحية والخلقية عنده ، وتعرفه بقضايا أمته وعصره ، وتحفظ عليه أصالته ، كما أنها تنمى لغته وتحصنه من الغزوات الأدبية المناهضة لمجتمعه .
والأدب عنصر أساسي في تبنى الفلسفات العامة التي يعتنقها المجتمع ويتحمس لها ، وهو أساس في تدريب الطلاب وتمكنهم من النظر الثاقب ، وتحريرهم من الأهواء الضالة والأفكار الفجة ، والمعلومات السطحية ، ودرس الأدب هو الفترة التي تتخفف فيها أذهان الطلاب من أثقال الدراسة العقلية ، وتتحرر عقولهم من صرامة التعاريف والقوانين والضوابط ، وهو الفرصة التي تستروح فيها عقولهم نسمات الحرية في الرأي ، والانطلاق في التفكير ، ودراسته ترمى إلى تهذيب الوجدان ، وتصفية الشعور ، وصقل الذوق ، وإرهاف الحس .
ولذلك فللأدب في حياة الطلاب مكانة خاصة ، فهو يقوم بدور مهم في تنمية ميولهم نحو دراسة الأدب ، وإدراكهم نواحي الجمال والتناسق في النص الأدبي ، وإطلاق خيالهم ، وربطهم بالتراث الأدبي ، وزيادة ثروتهم اللغوية ، وتزويدهم بالقيم الإنسانية الرفيعة وتوسيع نظرتهم إلى الحياة ، وإعطائهم الفرصة لقضاء وقت ممتع من ألوان الأدب المختلفة .
والأدب من الفنون التي تثير في نفس القارئ أو السامع متعة وسروراً، فالقصيدة الرائعة ، والمقالة البارعة ، والقصة الجيدة يجد القارئ أو السامع فيها قيمة فنية تثير مشاعره وإحساسه ، فالأدب إذن فن يثير في نفس قارئه أو سامعه لذة وسروراً بقدر ما فيه من جمال وحساسية بالفنون ؛ لأنه ينقل ما وصل إليه العقل البشرى من معارف ، سواء أبعث في نفس سامعه أو قارئه متعة أولاً .
ومن خلال ما سبق يتضح أن أهمية الأدب تكمن في أنه يتجاوز مرحلة الكشف عن الواقع والتبصر به إلى مرحلة التغيير من هذا الواقع ، وما يجب إضافته من أبعاد جديدة ، ولذلك فمهمة الأدب ليست تقريرية تصور الواقع كما هو ، وإنما هي فكرية موجهة تساعد على تغيير هذا الواقع ، كما أن الأدب يهيئ للطلاب فرصة كبيرة لتنمية ذوقهم الأدبي ، وقدرتهم على تحليل هذه النصوص ونقدها .
وقد ظهرت عدة استراتيجيات ومداخل حديثة لتنظيم محتوى الأدب وتدريسه أثبتت جدواها في تدريس الأدب كالمدخل التاريخي والذي يدرس النص الأدبي من خلال العامل التاريخي والزمني للنص الأدبي ، ومدخل الفنون الأدبية والذي يركز على دراسة النصوص الأدبية في حد ذاتها ومالها من قيمة فنية تكمن فيها النواحي الجمالية والصور البديعية ، وأسلوب جو النص وهذا الأسلوب يقوم من خلال ربط الأدب بالحياة ، وبيان أن الأدب ليس شيئاً كمالياً بل هو شكل واقعي ، وأسلوب الاكتشاف الموجه والذي يعتبر دراسة الأدب عملية تنظيم المعلومات بطريقة تمكن الطالب من الذهاب إلى ما وراء النص ، وأسلوب المقارنة والذي يسمح للطالب بمقارنة أعمال الأدباء وتعبيرهم عن هذه الأعمال بأساليبهم الخاصة ، وأسلوب التساؤلات الناقدة والذي يقصد به تحليل عناصر النص الأدبي ومناقشتها ؛ للتعرف على طرق الحصول على المعنى وإصدار الأحكام الناقدة نحو النص الأدبي ، والمدخل النفسي والذي يركز فيه الطالب على شخصية المؤلف والدوافع النفسية التي دفعته لكتابة العمل الأدبي .
وهذه الاستراتيجيات التدريسية ، والمداخل التنظيمية قد بنيت في ضوء مجموعة من الاتجاهات الحديثة في تدريس الأدب ، وهذه الاتجاهات هي مراعاة الميول الأدبية عند الطلاب ، والاتصال بالفنون الأدبية المعاصرة ، والتي يقصد بها الاتصال بالنماذج الأدبية الحديثة كالشعر المرسل ، والشعر الحر ، وقصيدة النثر وغيرها من الألوان النثرية الحديثة ، واستعمال القصة في تدريس النص الشعري ، والتركيز على استراتيجيات التدريس القائمة على جهد الطالب ، والاتجاه النفسي الإنساني في أثناء تدريس النص الأدبي ، والاتجاه الوظيفي في تدريس الأدب ، والاتجاه التكاملي بباقي فنون اللغة كالنحو والصرف والبلاغة والعروض على أن لا يدرس الأدب بمعزل عن باقي هذه الفنون ، والاتجاه المهارى في تدريس الأدب والذي يعتمد على تنمية مهارات القراءة ، والكتابة ، والاستماع ، والتحدث في أثناء تدريس النص الشعري ، واتجاه الخرائط المفاهيمية في تدريس النصوص الأدبية.
ومن الملاحظ أن هذه الاتجاهات الحديثة في تدريس الأدب سوف يفيد منها الباحث في دراستها والاستفادة منها جميعاً في ضوء طبيعة النص الشعري العربي من ناحية ، ومن ناحية أخرى في ضوء طبيعة طالب الفرقة الرابعة شعبة اللغة العربية بكلية التربية ، وسوف يقوم الباحث بتحليل الاستراتيجيات التدريسية التي بنيت في ضوء هذه الاتجاهات التدريسية العامة ؛ ليصمم استراتيجية تدريس تناسب النص الشعري العربي في الجامعة ، فبدلاً من الاعتماد على استراتيجية بعينها ، أو اتجاه تدريسي محدد فإنه من الممكن الإفادة من هذه الاتجاهات والاستراتيجيات ؛ لبناء استراتيجية مقترحة في تدريس النص الشعري تناسب الشعر العربي الحديث .
المؤلف
وائل صلاح السويفي