الابتزاز كلمة مزعجة ومرعبة وتجلب معها قدر كبير من المشاعر السلبية، فهي تجسيد حي لواحد من أسوء الخصال التي يمكن أن يتحلى بها الإنسان حين يستغل قوته مقابل ضعف إنسان آخر سواء كان هذا الضعف مؤقتا ً أو دائماً، والابتزاز هو ضعف العلاقة وهشاشتها بين ضعاف النفوس كما يبين تأثير المال على هذه النفوس وكيف يضحي الصديق بصديقه والقريب بقريبه والأخ بأخيه من أجل المال، وكيف يستبطن الحقد والكره مكان الحب والمحبة.
لقد شهد العالم في النصف الثاني من القرن العشرين تطورا ً علميا ً هائلا في كافة ومختلف المجالات، فمن الصعود إلى القمر والكواكب الأخرى إلى نقل الدم إلى زرع الأعضاء البشرية إلى أطفال الأنابيب إلى التحكم في الجينات الوراثية إلى ظهور الحاسب الآلي وما تبعه من ثورة معلوماتية. ولا يستطيع أحد أن يماري في المزايا والفوائد الخاصة بتقنية المعالجة الآلية للمعلومات إذ ترك الحاسب الآلي بصمات واضحة في حياتنا الحديثة. إن من نتائج الضعف النفسي البشري الغير مقبول اللجوء إلى استغلال الآخرين بأساليب لا أخلاقية، وقد يتمثل ذلك في كثير من الصور المعروفة وغير المعروفة، والتي منها (الابتزاز) والذي قد يعتبر بصورته المعروفة إفرازا ً عصريا ً حديثا ولكنه في حقيقة الأمر سلوكا ً بشريا ً قديما يتمثل في عدم القدرة على التحكم بالرغبات الخاطئة والشعور بالرغبة على السيطرة على الآخرين من خلال تهديدهم وإشعارهم بالخطر، فقد ورد ذلك في كتابنا العزيز في قوله تعالى على لسان امرأة العزيز: )قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِين[. (يوسف ايه 33)، فكان من مصادر القوة له (عليه السلام) رفض الانصياع لهذا التهديد واللجوء إلى الله (جل وعلا) في هذا الأمر. فكأن القرآن في هذه الآية الكريمة يشير إلى القوة النفسية التي يجب أن يتحلى بها الفرد ليكون أكثر قوة في مواجهة الاستغلال من الآخرين ويؤكد (عليه السلام)على اثر الجانب الروحي وأثره في دعم هذه القوة النفسية والتي يمكن أن يصد بها الفرد اعتداء الآخرين.