تعد التربية الفنية احدى اهم المواد التربوية والفاعلة في بناء شخصية الفرد من جوانبها المختلفة ، الاجتماعية والعقلية والمهارية ، ووسيلتها في ذلك التعلم ، اذ تعتمد على خاصية التأثير الوجداني في نفس المتعلم وقدرتها على إثارة مهاراته الإبداعية والتخيلية ، اذ تعمل على احداث التوازن للفرد داخليا مع نفسه وخارجيا مع بيئته التي يعيش فيها ، وهي لاتهدف الى خلق الانسان الفنان بل ان هدفها هو خلق الانسان المبدع المتذوق للجمال بكل اشكاله ، و تتضمن اشراك جوانب مهمة عند المتعلم اثناء عملية التعلم وهي الجانب الذهني الذي يعتمد على الاستعدادات العقلية والذهنية والمعرفية، والجانب الوجداني بما يتضمنه من دوافع وخصائص انفعالية وقيم واتجاهات والجانب الجمالي بما يتضمنه من استعدادات جمالية، والجانب الاجتماعي بما يتضمنه من تيارات فكرية واجتماعية.
وللتربية الفنية اهدافا مهمة ينبغي تحقيقها تبدأ من تنمية الناحية العاطفية والوجدانية وتشجيع الحواس والاندماج في العمل وتقدير اهميته وتدريبه على التنفيس عن انفعالاته مما يساعده على تأكيد ذاته وتعزيز ثقته بنفسه، الامر الذي يجعله يسعى الى تقوية الرابطة مع الاخرين والتوحد مع مشاعرهم والعمل ضمن فريق مشترك مستغلين كافة الادوات والخامات المتوفرة في انتاج اعمال فنية وبالتالي القضاء على وقت الفراغ واستغلاله بشكل جيد ومثمر، ويلعب معلم التربية الفنية دورا مهما في ذلك لذا توجب التركيز و العمل على ضرورة اعداده جيدا وتكوين شخصيته بشكل يسمح له بظهور مواهبه وقواه الابتكارية مما يؤدي به الى تكوين شخصية مؤثرة في المتعلمين الذين سيعنى بهم فيما بعد ، وبما يتوافق مع خصوصية المادة وأهميتها في عملية التعلم وقدرتها على تفعيل دور المدرسة فيما يتعلق بإدارة المعرفة واستثمار رأس المال البشري اللذان يعدان أساس بقاء واستمرار ونمو المنظمات ونجاحها في اللحاق بركب العالمية الذي بدا يسارع الخطى نحو الأمام.
وتعد نظريات التعلم احد اهم الهيكليات المنظمة للعملية التعليمية ، والقادرة على وضع التربية الفنية وفق قوالب منظمة محكمة يمكن إدارتها وضبطها والتحكم في نتائجها ،وبسبب أهمية مجال نظريات التعلم فقد أولاها الفلاسفة والمنظرون الكثير من الاهتمام وتم دراستها من اتجاهات متعددة سلوكية ومعرفية واجتماعية وإنسانية كل حسب وجهة نظره في التعلم وكيفية حدوثه ، واصبح لزاما ضرورة وجود نظرية للتعلم تحكم الفكر التعليمي وفكر المعلم لاهميتها في تقنين المعرفة وهيكلة البيئة التعليمية الملائمة للمتعلمين من خلال دراسة اوضاعهم الجسمية والنفسية والانفعالية والوجدانية.
وتعتمد نظريات التعلم في سياقها العام على المنطق، والذي يكون على نوعين، اما استقصائي ينتقل فيه التفكير من المبدا العام الى التفاصيل او استقرائي يتطلب فيه نقل التفكير من الخصائص والجزئيات إلى المباديء العامة.
وترتكز نظريات التعلم ايضا على العلاقة بين عملية التعلم والتعليم والبيئة الخارجية وترتكز هذه القاعدة على منحيين أساسيين هما، العقلانية التي تؤكد على مبدا ان العقل ضروري في عملية التعلم من دون اعتبار للمشاعر، والتجريبية التي تشير الى ان الخبرة هي المصدر الوحيد للمعرفة.
وان كل نظريات التعلم على اختلاف توجهاتها تحاول تفسير السلوك الإنساني وتحديدا سلوك التعلم وكيفية حدوثه ثم التنبؤ بالسلوك الجديد وفقا لما تم تفسيره من مسببات ومحاولة ضبطه من خلال التقليل من حدوث السلوك غير المرغوب فنظرية التعلم هي الأساس في ضبط السلوك الإنساني ومن خلالها يتم صياغة المفاهيم التي تصف الظواهر وكيفية حدوثها وما يمكن ان ينتج عنها.
لذا نحن بأمس الحاجة اليوم إلى تنظيم المعرفة في مجال التربية الفنية من خلال اختيار وتبني النظرية الملائمة للمواضيع والأهداف التي نختارها .
ومن هنا يأتي هذا الكتاب إضاءة معرفية للقارئ العربي بشكل عام ومعلم التربية الفنية بشكل خاص لمساعدته في تشخيص أدائه التعليمي ومحاولة تطويره بشكل مستمر .
د.يسرى عبد الوهاب
