الأنواء الأندلسية في الشعر والنقد

المقدمــة
لقد تمتع الشعر الأندلسي بوافر من الظواهر الكونية التي كانت سائدة في ذلك العصر ولا سيما ظاهرة الأنواء التي شغلت حيزاً كبيراً في دواوين الشعراء الأندلسيين وذلك كان بسبب الطبيعة التي زيّنت بلاد الاندلس، وإنّا اذا ما دخلنا في البحث عن مكنونات الشعر الأندلسي وجدنا ان هذه الظاهرة من اهم الموضوعات التي كانت تحمل في طياته اجمل انواع الشعر وارقها، والسبب في ذلك يعود الى ان بلاد الاندلس تتمتع بالطبيعة الجميلة وهي جنة الله في ارضه، قال أبو عبيدٍ البكري في نفح الطيب : ((الأندلس شاميةٌ في طيبها وهوائها، يمانيةٌ في اعتدالها واستوائها، هنديةٌ في عطرها وذكائها، أهوازيةٌ في عظم جبايتها، صينيةٌ في جواهر معادنها، عدنيةٌ في منافع سواحلها))( )، فهذه البلاد ساعدت الشعراء على الإبداع والإجادة في اخراج ما يجول في اذهانهم وما تبديه قرائحهم وما تخطه اناملهم فسطروا بذلك شعراً عُدَّ من افضل انواع الشعر ولكي لا نسهب بالكلام اذ نحن بصدد الكلام عن ظاهرة برزت في الشعر الأندلسي والتي هي جزء من اجزاء الطبيعة التي ملأت دواوين الشعراء الأندلسيين اذ كانت هذه الظاهرة امتداداً للشعر الجاهلي ولم تكن نتاج عهد جديد بالنسبة لهم، ان ظاهرة الأنواء جزء من الطبيعة الكونية التي استعملها الشعراء وخاضوا فيها حتى احسن كل واحد منهم احساناً واجادة، وهذه الظاهرة كان لها وقع جميل في دواوين الشعراء الذين نحن بصدد دراستهم ولعل الأجمل من ذلك ان هذه الظاهرة دخلت في الأغراض الشعرية جميعها وفي كل جزئية من جزئياتها ولذلك نجدها في شعر الغزل ممزوجة وسبكت سبكاً جميلا فضلاً عن ذلك المديح والرثاء والوصف منها بخاصة، ولم تصل الى ذلك الحد بل تعدته الى انها دخلت في موضوعات اخرى تعبر عما يجيش في قريحة الشاعر الذاتية فكونت بذلك شعراً وسيرى واضحاً في مضمون الكتاب الذي نحن نطالعه في الصفحات القادمة.
وقد اقتضى موضوع الدراسة أن يأتي الكتاب في ثلاثة فصول, يسبقها تمهيد وتعقبها خاتمة, جاء التمهيد تحت عنوان (الصورة الفنية والأنواء).
أما فصول الدراسة، فقد أفردت الأول منها لدراسة (الصور الفنية للأنواء) واشتمل على أربعة مباحث درست في أولها: (الرياح والريح والنسيم)، وفي الثاني: (السحاب والغمام والمزن)، وفي الثالث: (البرق والرعد)، وفي الرابع: (الغيث والحيا والمطر).
أما الفصل الثاني، فقد كان بعنوان (وسائل تشكيل الصورة) واشتمل على مبحثين تناولت في أحدهما: (الصورة التشبيهية)، وفي الآخر: (الصورة الاستعارية).
أما الفصل الثالث، فقد خصصته لدراسة (أنماط الصورة الحسية)، وجاء على ثلاثة مباحث، كان أولها: في (الصورة البصرية)، وثانيها: في (الصورة السمعية) ، وثالثها : في (الصورة الشمية) .
وبعد إتمام هذا العمل ختمته بخاتمة ضمت النتائج التي توصلت اليها، ثم أوردت مصادر البحث ومراجعه.