المقدمة
ميز الله عباده العالمين العارفين في قوله تعالى: “أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الاخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب” (آية، 9 الزمر).
فارتبطت المعرفة بالإنسان منذ بداية خلقة، واستمر الإنسان بالسعي للحصول على المعرفة بالطرق والوسائل الممكنة والمتاحة عبر العصور والحضارات المختلفة، وذلك لأن المعرفة تمكنه من التفاعل الإيجابي مع حقائق الكون الذي يعيش فيه، وتعد المعرفة من أهم مقومات بقاء وتطور حياة الإنسان على سطح الكرة الأرضية، فبدونها لا يستطيع الإنسان تصريف أمور حياته اليومية، ولا يستطيع السيطرة على أمور الكون الذي كلفه الله بعمارته.
وكان لثورة المعلومات والتطورات المتسارعة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وانتشار استخدامات شبكة الإنترنت، وظهور مفاهيم الذكاء الاصطناعي والنظم الذكية والوسائط المتعددة وتطبيقاتها، واستثمارها في منظمات الأعمال الحديثة بهدف الارتقاء بكفاءة أعمالها وجودة منتجاتها وخدماتها وإدارة مواردها دوره الكبير في ظهور مفهوم إدارة المعرفة، إذ ساعدت هذه التكنولوجيا والنظم المرافقة لها في تسريع نمو المعرفة نتيجة للإمكانات الكبيرة للحواسيب في معالجة البيانات وتخزين كميات هائلة من المعلومات في قواعد بيانات واسترجاعها وبثها، وتسهيل عملية المشاركة بالمعرفة المتاحة وتبادلها من خلال الشبكات الالكترونية، بين الأفراد داخل المنظمة وبين المنظمات ذاتها داخل القطر وخارجه ويؤكد بعضهم على دور تكنولوجيا المعلومات المحوري في برامج إدارة المعرفة، وذلك من خلال قدرتها على تسريع عملية إنتاج المعرفة وخزنها ونقلها وتداولها عن طريق التواصل والمشاركة.
وقد أدى التزايد الهائل في المعلومات وتراكمها في المنظمات إلى وجود حاجة ماسة إلى تنظيم هذه المعلومات وإدارتها للإفادة منها في تحقيق الأهداف الإستراتيجية لهذه المنظمات، ومساندة صناعة القرار فيهاز ففي عصر المعرفة هذا الذي أصبحت فيه المعرفة مورداً استراتيجياً، والعنصر الأكثر أهمية من عناصر الإنتاج، والمصدر الذي لا غنى عنه لإنتاج القيمة المضافة وضمان الجودة، والميزة التنافسية للمنظمات على اختلافها، أصبح استمرار هذه المنظمات ونجاحها أو فناؤها يعتمد اعتماداً كبيراً على قدرتها على إدارة ممتلكاتها غير الملموسة، ويعزو بعضهم نجاح كثير من المنظمات في الوقت الحاضر إلى أنها جعلت من إدارة المعرفة فلسفة ورؤية استراتيجية لها، وأن فشل بعضها الآخر يعود إلى عدم فهمها ماهية إدارة المعرفة بشكل صحيح، واعتبارها كإدارة للمعلومات، وتركيزها على التكنولوجيا بشكل أكبر من تركيزها على استثمار معرفة العاملين وإبداعاتهم، ولهذا أدركت المنظمات ضرورة الاهتمام بإدارة المعرفة كعملية إدارية أساسية فيها، على اعتبار أن المعرفة والإبداع هما القيمة الرئيسة لها في عالم يتصف بالتغير المتسارع والتنافسية الشديدة.
ويتكون هذا الكتاب من ستة فصول تتنوع فيها الموضوعات والمضامين والمحتويات، إذ يركز كل فصل على موضوع معين. وكان الفصل الأول يمثل مفهوم المعرفة وأهميتها وخصائص وانواع المعرفة ومصادرها بالإضافة للتفريق بين البيانات والمعلومات والمعرفة، والفصل الثاني يمثل مفهوم وأهمية وأهداف ومبادئ ووظائف وعمليات ومتطلبات إدارة المعرفة بشكل موسع، أما الفصل الثالث فقد تطرق إلى مدخل إدارة المعرفة من تصميم واستراتيجيات، والفصل الرابع تطرق إلى نظم إدارة المعرفة من حيث مصادرها وخصائصها وأقسامها ودورها في إدارة المعرفة بالإضافة إلى عملياتها، والفصل الخامس يمثل أخلاقيات إدارة المعرفة من مفهوم ومصادر الأخلاقيات في كل مجتمع والإنتهاكات الأخلاقية في مجال المعرفة والآثار الناجمة عنها وسبل مكافحتها بشكل عام وبشكل خاص في الدول العربية، والمدونات الأخلاقية وأهميتها بالنسبة للعاملين في مجال إدارة المعرفة، والفصل السادس والأخير أقتصاد المعرفة وقد تم طرح نشأة ومراحل التي مر بها اقتصاد المعرفة ومفهومه وأهميته وعناصره وخصائص ومميزات اقتصاد المعرفة، وقد تم التطرق أيضاً اقتصاد المعرفة والاقتصاد المبني على المعرفة والاقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي، واقتصاد المعرفة واقتصاد المعلومات، بالإضافة لصناعة المعرفة والعوامل التي تحول دون قيام صناعة عربية للمحتوى، ومؤشرات اقتصاد المعرفة، ومتطلبات التحول إلى أقتصاد المعرفة.
والحمد لله رب العالمين
المؤلف
الدكتورة: منال هاني قطيشات