أساسيات نظم المعلومات الإدارية وتكنولوجيا المعلومات

إنَّ من نافِل القول تأكيد الطبيعة المتطورة والمتُجدّدة لحقل نظم المعلومات الإدارية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وينعكس هذا التجدد الابتكاري والإبداع التكنولوجي المتسارع في ظاهرة التغيير المستمرْ الذي يَعْتمل في روافد النهر الهادر لنظم المعلومات الإدارية بأبعادها المتنوّعة ومضامينها التقنية، التنظيميّة، الإنسانية، والمعرفية.
وكما ورثنا عن الفلسفة اليونانية العبارة الشهيرة “إنكَ لا تَدْخل النهر مرتيّن” فإنَّ أي مقاربة موضوعية لهذه العبارة مع حقائق التغيير النوعي لهذا الحقل ستقودنا إلى استنتاج “إنكَ لا تستطيع أن تكتب مرتين كتاباً في حقل نظم المعلومات الإدارية” لعوامل كثيرة أهمها تأثير دالة إنتاج المعرفة والتكنلوجيا في نظم المعلومات الحاسوبية ونظم المعلومات الإدارية على ما يمكنْ تسميتهُ بالتوالد الخلاق في تطبيقات هذه النظم في منظمات الأعمال والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة.
لذلك يأتي هذا الكتاب لمواكبة التغيرات البنيوية النوعية التي تحدث في حقل نظم المعلومات الإدارية من خلال انتقالها إلى نظم شبكية ذكية متفاعلة ومتعاضدة مع نظم وأدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من ناحية ومع المستفيدين والمستخدمين في داخل المنظمات وخارجها من ناحية أخرى. إنهُ محاولة لإنتاج المعرفة العلمية أو إعادة إنتاجها وسط ظاهرة تاريخية مَعْلَمُها التغيير والتجديد وبناء القوة في هذا الزمن الراهن. والزمن الراهن هو ساحة المعركة والمعرفة سلاحنا كما يقول إدوارد سعيد.
ونحنُ نعتقد مع السلفِ الصالح أن هذا هو من بين أحسن ما كتبناه فمن جاء بأَحسنِ منهُ قبلناه، وكلٌ له حقُّ الاجتهاد حسبً طاقتهِ.
يَضمُ هذا الكتاب بينَ ثناياهُ ثمانية فصول. خُصِصَ الفصل الأول لتأصيل الأصول ولتحديد المبادئ ومعاني المفاهيم والمصطلحات المترادفة والمتداخلة. وبصورة خاصة مفاهيم نظم المعلومات، تكنولوجيا المعلومات ونظم المعلومات الإدارية. كما تضمن الفصل تحليلاً منهجياً لعلاقة نظم المعلومات بنظرية النظم العامة والعوامل المؤثرة والمحفزّة في تطور نظم المعلومات الحاسوبية وصلة نظم المعلومات بالأعمال وميادين تطبيقها.
الفصل الثاني والذي جاء بعنوان “مفهوم نظم المعلومات الإدارية” ارتكز على مباحث اهتمت بدراسة مفهوم وأهمية نظم المعلومات الإدارية، مداخل دراسة نظم المعلومات الإدارية وبيئة دراسة نظم المعلومات الإدارية وكان هذا في المبحث الأول من الفصل. أمّا المباحث الأخرى فقد تناولت مواضيع نظم المعلومات الإدارية في منظمات الأعمال، والدور الاستراتيجي لنظم المعلومات الإدارية في تحقيق الميزة التنافسية المؤكدة. المبحث الأخير من الفصل الثاني تناول تحليل النظم الوظيفية الفرعية للمعلومات مثل النظام الفرعي للمعلومات التسويقية، النظام الفرعي لمعلومات العمليات، النظام الفرعي للمعلومات المحاسبية والمالية، والنظام الفرعي للموارد البشرية.
وبعد هذا العرض التحليلي لمفاهيم وأدوار ووظائف نظم المعلومات الإدارية جاء الفصل الثالث ليقدم دراسة تحليلية معمّقة لأنواع نظم المعلومات الإدارية وأهمها: نظم معالجة المعاملات TPS، نظم المعالجة التحليلية الفورية OLAP، نظم مستودعات البيانات DWS، نظم التنقيب عن البيانات DMS، نظم مساندة القرارات DSS، نظم مساندة القرارات الجماعية GDSS، ونظم المعلومات التنفيذية EIS .
بينما اهتم الجزء الثاني بدراسة نظم المعلومات الإدارية والذكاء الصناعي حيث تناول الباحث بالتفصيل هذه النظم: النظم الخبيرة ES، نظم الشبكات العصبية NNS، نظم المنطق الضبابي FLS نظم الذكاء على أساس الحالات CBR، نظم الوكيل الذكي IAS. بالإضافة إلى دراسة تقنيات الذكاء الصناعي الأخرى مثل الخوارزميات التطورية EA، نظم استكشاف المعرفة من شبكة الإنترنت DKOI والنظم الخبيرة العصبية NES.
في الفصل الرابع تناول الباحث تكنولوجيا نظم المعلومات الإدارية والتي توزعت على المباحث التالية: نظام الحاسوب في بعديه العتاد والبرمجيات، نظام إدارة قاعدة البيانات DBMS، نظم الشبكات والاتصالات والموارد الإنسانية من صُناع المعرفة والتقنيين والمديرين والعاملين في حقل نظم المعلومات الإدارية. إذن اهتم هذا الفصل بدراسة المكونات التقنية والتنظيمية والإنسانية لنظم المعلومات الإدارية في منظمات الأعمال الحديثة.
أمّا الفصل الخامس فقد جاء تتويجاً للفصول الأربعة السابعة حيث تناول موضوع تطوير نظم المعلومات الإدارية من خلال دراسة مفهوم تحليل وتصميم النظم، دورة تطوير حياة النظم، استخدام النمذجة في تطوير نظم المعلومات، مدخل التطوير RAD، تطوير نظم المعلومات من خلال حزم برامج التطبيقات والمستفيد النهائي والتوريد من الخارج Outsourcing. كما اهتم الفصل بتحليل المداخل البديلة لتطوير نظم المعلومات الإدارية وتقنيات تطوير هذه النظم مثل مخططات تدفق البيانات DFD ومخططات الكينونة-العلاقات ERD وغيرها.
بينما تناول الفصل السادس أخلاقيات الأعمال وأمن المعلومات حيث تم تحليل مفاهيم أخلاقيات الأعمال، أخلاقيات الحاسوب، الخصوصية والزبائن، جرائم الحاسوب، حماية المحتوى، بالإضافة إلى دراسة عمليات مراقبة وتقييم نظم المعلومات الإدارية وامن وسرية نظام المعلومات الإداري.
في الفصل السابع حاول الباحث دراسة وتحليل العلاقة بين نظم المعلومات الإدارية وحقول الأعمال الإلكترونية e-Business والتجارة الإلكترونية e-Commerce. وبالتالي تناول الفصل تحليل مفهوم ونماذج الأعمال الإلكترونية ودراسة مداخل دعم نظم المعلومات الإدارية لأنشطة الأعمال الإلكترونية. أما المباحث الأخيرة في الفصل فقد تناولت مفهوم وتقنيات التجارة الإلكترونية وعلاقتها بنظم المعلومات الإدارية.
وأخيراً تم تخصيص الفصل الثامن لكي يَضُمْ نُخبة مختارة من دراسات تطبيقية اشترك فيها الباحث مع زملاء له في حقول تكنولوجيا المعلومات ونظم المعلومات الإدارية. وقد نشرت هذه الدراسات في مجلات علمية رصينة ومحكمة. في هذا السياق لا بدّ من الإشارة إلى أن وجود فصل لدراسات ميدانية في هذا الكتاب ربما سيكون سنةً حسنة للآخرين وذلك من أجل تحقيق نوع من التوازن بين النظرية والتطبيق، الفكر والممارسة، المعرفة والتجربة خاصةً وأن معظم الكتب العربية في حقل نظم المعلومات وتكنولوجيا المعلومات تفتقد إلى الدراسات العلمية والتطبيقية.
وبعد،
فإنَّ هذا الكتاب قد فتحَ لي باباً من القول في نظم المعلومات الإدارية وتكنولوجيا المعلومات كنتُ أتهيّب أنْ أَلِجُهُ وأنا أعلمُ إني قَدْ قصرّتُ في ذلك كلهُ واختصرتُ وإن كنت قدْ أطلتُ، وأخشى أنْ أكونَ قدْ أمْللتْ. ولكنّ عُذري إني بَذَلتُ جُهدي إيجازاً مُبتغياً وسيلةً إلى ربي سُبحانه يوم تأتي كلُ نفس تُجادِلُ عن نفسها وتُوفى كلُ نفس ما عملِتْ وهم لا يُظلمون. والحمدُ للهِ وحدهُ.
أ. د. سعد غالب ياسين