المقدمة
لم تعد عملية اتخاذ القرارات من الأمور التقليدية والشكلية في المنظمة والتي كانت في السابق تعبر عن سلوكيات وأمزجة المدراء ذاتهم، حيث عند ذلك لا تكون مبينة على أسس عملية سليمة وإنما هي وليدة قناعات شخصية وذاتية ترتبط بطبيعة نظام الإدارة المعتمد من قبل المدير، وهنا ينجم عن هكذا نظام قرارات نتائج عشوائية واعتباطية غير مدروسة. إن واقع الحال وما آلت إليه التطورات في القرن الواحد والعشرين والضغوطات التي تمخضت عن العولمة والخصخصة وغير ذلك من إفرازات هذا القرن، كان السبب في اعتماد مداخل جديدة ومتطورة لدراسة وتحليل عملية اتخاذ القرار وبالتالي صناعة القرار بحد ذاته.
وقد فسرت عملية اتخاذ القرارات في كونها جوهر العملية الإدارية، لذلك ومن أجل فهم العملية الإدارية في منظمة الأعمال والكيفية التي بموجبها يتم تعريف وإنجاز المهام، لابد من الوقوف على كيفية اتخاذ القرار بالشكل الذي يستوعب تحديات المرحلة الحالية والتي أفرزتها ظروف الألفية الثالثة ومعطيات النظام الدولي الجديد، وقد أجتهد في هذا الصدد الكثير من الباحثين والكتاب، حيث كانت لجهودهم الأثر الكبير في إضفاء الصفة العلمية على القرار وإضفاء صفة الفن والإبداع أيضا. حيث يرتبط ذلك بالمراجع الأساسية لاتخاذ القرار لدى المدير المستمدة من الصفات الشخصية المكتسبة والموروثة، حيث ترتبط الأولى بالتعلم والثقافة والثانية بالمواهب والإبداعات التي يرثها الأبناء عن الآباء.
وفي كتابنا هذا سوف يتم التأكيد على الطروحات الفكرية المتعلقة بالقرار وتدعم هذه الطروحات بالأسس الرياضية والكمية اللازمة لترشيد وتدعيم القرار في ظل الظروف البيئية المختلف. وقد جاءت المادة العلمية لكتابنا هذا في ثمانية فصول، خصص الأول منها لدراسة المفاهيم الفكرية للقرار بما في ذلك المدارس الفكرية التي تطرقت لموضوع عملية اتخاذ القرارات، الفصل الثاني خصص لدراسة نظم المعلومات واتخاذ القرار مع بيان نظم دعم القرار والذكاء الصناعي. عملية اتخاذ القرار بموجب مقومات اتخاذ القرار في حالة المنافسة والصراع ثم دراستها في الفصل الثالث، حيث تم أيضا دراسة المؤثرات الخارجية والداخلية ودورها في المنافسة والصراع واتخاذ القرار. في الفصل الرابع تم دراسة اتخاذ في حالة التأكد مع بيان المعايير التي يمكن أن تستخدم في ترشيد القرارات في حالة التأكد. الفصل الخامس تناول موضوع اتخاذ القرارات في حالة المخاطرة، حيث تم شرح أهم المعايير التي تستخدم في بيئة المخاطرة من أجل ترشيد القرارات المختلفة. كما تم توضيح أسلوب تحليل حساسية القرار وآثره في النتائج المالية النهائية. أما اتخاذ القرارات في حالة عدم التأكد مع توضيح أهم المعايير اللازمة لذلك تم دراستها في الفصل السادس. الفصل السابع خصص لدراسة نظريات وأساليب تدعيم القرار بما في ذلك نظرية بايز ونظرية المنفعة وشجرة القرارات وتحليل ماركوف مع بيان دور هذه النظريات والأساليب في دعم عملية اتخاذ القرار في المنظمة.
الفصل الأخير من كتابنا هذا خصص لدراسة نظرية الألعاب ودورها في اتخاذ القرارات، حيث تم توضيح النماذج الرياضية المستخدمة في نظرية الألعاب وقواعد السيطرة والطرق المعتمدة في معالجة مشاكل الهيمنة والسيطرة على المنافع وللمكاسب.
في النهاية أجد من المناسب أن أستشهد بحديث لأحد الفكرين الذي جاء فيه أن أي إنسان حريص على علمه لا يكتب كتاب أو مؤلف في يومه إلا قال لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر والإقرار بأن الكمال لله عز وجل وحده.
ومن الله التوفيق
المؤلف