بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
بداية .. لابدَّ من الإشارة هنا إلى مسألة جوهرية، وأساسية، وغاية بالأهمية، تتعلّق بقضايا الكتابة، والفن، والخطاب المعرفي، والتربوي، والإعلامي، والثقافي، الموجّه للأطفال حصراً، عبر وسائل ووسائط الصحافة والإعلام والأدب والفن، المتخصص بفئات الأطفال على وجه الخصوص، وهي :
أن هناك كثير من الأفراد، ومن بينهم أيضاً، بعض العاملين في وسائل الصحافة والإعلام، بكافة أشكالها، ووظائفها، ومساربها، المقروءة، والمرئية، والمسموعة، لا يدركون، ولا يقدّرون حقيقة، وقيمة، وخصوصية ما يكتب، وما يقدم، وما يوجّه للأطفال، من كتابة إبداعية، ومن خطاب معرفي، وتربوي، وإعلامي، وثقافي، وإمتاعي، عبر ممكنات الصحافة والإعلام والأدب والفن، المقنَّن، والموجّه بدقّة، وبخصوصية خاصة، إلى جمهور الأطفال بكافة فئاتهم، وحسب كل فئة ومستواها، وقدرتها على استلام هذا الخطاب، والتفاعل معه .. وفي بالهم – أي هؤلاء الذين لا يدركون حقيقة الإعلام الموجّه للطفل – إن هذا الذي يكتب، ويوجّه، ويقدم للأطفال، مما ذكرنا، لا يحقق نتيجة !.. ولا يصل إلى غاياته، ولا يتفاعل مع تلك الغايات، ولا يؤثّر فيها، وبالنتيجة – كما يعتقد هؤلاء – أن هذا الإعلام لا يشكّل قيمة ومؤثّراً في متلقّيه !.. وأكثر من هذا، إنهم يعيبون على العاملين في وسائل إعلام الطفل وأدبه، ( دنو المستوى الوظيفي والفكري) ومحدوديته في الإشتغال، عبر( نزولهم ) إلى مستويات الطفل ( حسب ما يرون ويعتقدون ) !.. وفاتهم : أن حقيقة الإتصال بالأطفال، والإقتراب من مستوياتهم الدنيا، والعليا، والتي تتنازعها، وتسيّرها نزعات، وانفعالات، وتطلعات، وقدرات، وتحوّلات متعددة، خطيرة وحسّاسة ومتغيّرة، لايمكن الثبات عليها، واستيعابها وفهمها بسهولة ودقة، وذلك لتواصلها الدائم بالنمو المؤكّد، ولسرعة ما يطالها من تحوّلات ومتغيّرات سايكولوجية، وبيولوجية، وسوسيولوجية، حازمة وسريعة، لايمكن الوقوف عندها، والتعاطي معها بسهولة ودقة، إلّا بوضعها في موضع التدرّجات والمحددات الزمنية، وإخضاعها إلى المنطق المرحلي، الذي يؤشّر لنا عوالم الطفولة، وحدودها الدقيقة في مراحل نمو متعدّدة وأساسية : مبكّرة، ومتوسّطة، ومتأخّرة، وهذا الأمر ليس بالسهل الإهتداء إليه، لكائن من يكون، من غير علم وتعلّم وإدراك لاحدود له، لقضايا الطفل، ولعوالمه الواسعة في الحياة .
لذلك فات هؤلاء – من أصحاب النظرة القاصرة لقضايا الأطفال – أن حقيقة الإتصال بالطفل ومخاطبته، لا يكتب لها النجاح والتأثير، إلّا بالإرتقاء بمستوى مخيلة الطفل، من قبل المتصدّي لهذه المهمة، أياً كان : كاتباً، إعلامياً، فنّاناً، موجّهاً، مرشداً .. فهذه المهمة هي مهمة صعبة، بل هي مهمة صعبة للغاية، ولا يتمكن منها مَنْ يخطو في محاولته بسهولة، لأنَّها لا تتيسَّر لمن يشاء، بمجرد التفكير بالتوجَه للإتصال بالطفل، ومخاطبته خطاباً جمالياً ومعرفياً وإعلامياً يسعى إلى أن يترك أثره في المتلقي .
ولنا في ذلك أمثلة وشواهد كثيرة ومتعددة، في عشرات الأسماء الكبيرة والشهيرة في عالم الكتابة والإبداع في العالم، ومنها تحديداً مثال الكاتب البريطاني الشهير ( صموئيل بيكيت )، فعندما سألوه : لماذا لم تكتب للأطفال ؟!.. أجابهم بكل تواضع : (لأنَّ تجربتي لمْ تنضج بعد، ).. ومثال آخر عن أهمية كاتب الأطفال، عبَّر عنه الكاتب الشهير ( تولستوي ) حين قال بصريح العبارة : ( يقولون عنّي بأنّي كاتب عظيم، ولا يعرفون أن عظمتي تكمن بكتابتي للأطفال، ) .. وشاهد ثالث في هذا الإتجاه، ما صرّح به الكاتب العربي الكبير عبد الرحمن منيف، وهو يعترف لي بذلك شخصياً في بغداد عام 1981 مؤكداً : ( إن الكتابة للأطفال صعبة، وقد حاولت بها فوجدت صعوبة بالغة ) .. فأي قيمة، وأهمية، ومجد أكثر من ذلك، لكاتب الأطفال، ولمن يتَّصل بهم، وينجح في مخاطبتهم ؟..
ولكن ؟!.. مَنْ لا يعون هذه الحقيقة، ولا يدركون فلسفتها وعمقها الإنساني، مازالت نظرتهم في هذا الإتجاه محدودة، وقاصرة عن الوصول إلى أهمية وقيمة ما يكتب، وما يوجّه، وما يقدّم للأطفال من زاد معرفي، وثقافي، وتربوي، وجمالي وإمتاعي، في طبق الصحافة والإعلام، وفي وعاء الأدب والفن، ومازالوا يرون من يكتب للأطفال، ومن يخاطبهم، ويعمل لهم في وسائلهم الثقافية والإعلامية والتربوية، أقلَّ شأناً، وأهمية، ومرتبة، ووظيفة، من غيره، من العاملين في وسائل الثقافة والإعلام الأخرى .
على العكس من ذلك في المجتمعات المتقدمة، فهي تنظر إلى كتّاب الأطفال، والعاملين في إعلام الأطفال وصحافتهم، وثقافتهم، وفي وسائل تربيتهم وتنشئتهم المتعددة الأخرى، بعين التقدير، والإكبار، والفخر .. فتسعى دائماً إلى إعطائهم المكانة التي يستحقونها في المجتمع، فتحيطهم بالرعاية والدعم الكبيرين، وتمنحهم الإهتمام الواضح، فتعمل على توفير كل ما يحتاجون إليه من وسائل، وإمكانيات، ومتطلبات، ضرورية وأساسية في العيش الكريم، الذي يدفعهم إلى مزيد من العطاء والإبداع المتواصل في بناء الإنسان المستقبلي .
وهذه المجتمعات تدرك تمام الإدراك أهمية مبدعيها العاملين، المتخصصين بمخاطبة الطفل، وتدرك عظيم الإدراك دور هؤلاء المبدعين في بناء الإنسان، في الحاضر والمستقبل، فبدون بناء الإنسان بناءً صحيحاً، وعلى أساس سليم، لا يمكن للحياة أن تستمر بالعطاء الثر والمثمر، ولا يمكن لها أن تنمو وتزدهر، بمعاني الرقي والتقدم والإزدهار، وتنهض دائماً وأبداً بكل ما هو جميل ومشرق .. ولا يمكن للمجتمع أن ينهض، ويتقدّم، ويرقى بدون بناء الإنسان، وأساس بناء الإنسان، في بنيته الأولى هو الطفل .
نعم، الطفل هو أساس بناء الإنسان، والطفل هو أبو الإنسان، فإذا أحسنا بناء الطفل بناء ثقافياً، وتربوياً، وإعلامياً، وإجتماعياً صحيحاً في الحاضر، من المؤكد سنحصل على البناء الرائع، والقوي، والسليم، للإنسان المبدع، الذي نريده في المستقبل . فحين نبني الطفل الأن، فإننا بذلك نعد لحياة المستقبل ، ولصحافة المستقبل، ولثقافة المستقبل، ولقادة المستقبل، الصحفيين، والكتاب، والأدباء، والمفكرين، والفنانين، والقراء، والمهندسين، والأطباء، والجنود، والحماة، ومزيداً من العباقرة والعلماء والمفكرين والرجال، الذين هم مَنْ سيقود المجتمع في ذلك المستقبل .
فإلى من يريد أن يخطو بخطواته الثقافية والإعلامية بإتجاه الطفل وعوالمه، فهناك طريق طويل، ينتهي عند أبواب وأبواب، ليس من السهل أن تطرق وتفتح للطارق، وهنا، كما أرى، مفاتيح من مفاتيح لتلك الأبواب، حيث انطلق هذا الكتاب بدراساته وأبحاثه المتعددة، ليدرس، ويناقش، ويبحث في أبرز القضايا الأساسية في الصحافة والإعلام الذي يخاطب الراشدين عامة، وفي ذات الوقت يعنى بمخاطبة الطفل على وجه الخصوص، والذي يبحث ويدور في معالم قضية جوهرية، واضحة الإتجاهات والمعالم، تشكل غاية الكتاب وهدفه، ألا وهي قضية بناء الإنسان، بناء ثقافياً وإعلامياً وتربوياً وإجتماعياً .
ومن هذا المنطلق اعتمدت سمة القضايا لدراسات وأبحاث الكتاب، لتكون أوضح وأدق في التناول، حيث جاءت القضية الأولى في الفصل الأول : ( وسائل الإتصال الإعلامي ودورها الثقافي والتربوي في حياة الإنسان ) لتدرس وتعالج أبرز المحاور والمسائل الاساسية في هذا المجال، من قبيل : التطور الحاصل لوسائل الإتصال وانعكاساته على تطور الإنسان، وما حصل لوسائل الإتصال من تباين في المستويات البيئية للتلقي، مع التعرّض في ذلك إلى آليات الإتصال وآلية الصلة والمتّصل في فضاءات الإعلام .
وجاءت القضية الثانية في الفصل الثاني : ( وسائل الإعلام وأثرها التربوي في التنشئة الثقافية للفرد ) لتبحث في مسألة الإعلام ومديات اتصاله بالأطفال، مع دراسة مؤثّر الوسائط الإعلامية في قيم الأطفال، مع التعرض في هذا المجال لمناقشة ودراسة المحور الأكثر خطورة وحسّاسية في محاور هذه القضية، وهو حال الطفل ومكتسباته القيمية، بين قيم الإعلام وقيم الأسرة، وتأشير ما للإعلام من تأثيرات سلبية على الطفل، وأثر الإعلام في قراءة الطفل، وفي نقل الثقافة وعناصرها إلى هذا الطفل .
أمّا القضية الثالثة التي عالجها الفصل الثالث : ( صحافة الأطفال ومنطلقاتها الثقافية والتربوية في البناء الإنساني )، فقد تركّزت محاور الدراسة والبحث فيها على جوانب متعددة وأساسية في هذه القضية، من قبيل : الصحافة والإثارة البصرية والذهنية للمعرفة، ومفاتيح القراءة في عالم الصحافة، وصحافة الأطفال والمنطلقات العمرية، واللغة في الخطاب الصحفي، وتجربة حية في صحافة الأطفال، إلى جانب التعرض إلى صحافة الأطفال في الوطن العربي، ومسألة صحافة الأطفال في صحافة الكبار .
وجاءت القضية الرابعة في إطار الفصل الرابع : ( تحليل المضمون في صحافة الأطفال )، لتبحث في جملة من المسائل والمحاور المهمة والأساسية في الصحافة عامة، وفي صحافة الأطفال خاصة، تلك التي تتعلق بتحليل المضمون الذي تحمله الصحافة، فتم هنا البحث في عيّنة البحث ومنهجه في تحليل المضمون، ووظائف تحليل المضمون، والصحافة والقيم، إلى جانب موضوعة التنوّع في الموضوعات والمضامين الصحفية .
أمّا القضية الخامسة والتي جاء بها الفصل الخامس بتسمية : ( التكنولوجيا ومحصلاتها القيمية في الإتصال الإعلامي )، فقد تمَّ فيها البحث في مسألة الحتمية القيمية للتكنولوجيا في الإتصال الإعلامي، وتكنولوجيا الإتصال وتخطيطها لثقافتنا، والتكنولوجيا وتعددية المظاهر الإتصالية .. وإلى جانب ذلك تعرض البحث في هذه القضية إلى محاور ومسائل أخرى عديدة في هذا الإتجاه، منها : مفاهيمية التكنولوجيا المعلوماتية والإتصالية في الواقع المعاصر، وأخطار تكنولوجيا المعلومات والإتصال على الطفل، وتكنولوجيا الإتصال ومحصلات المتعة والترفيه .
أمّا القضية الأخرى التي درسها الكتاب وبحث فيها هنا، فهي القضية السادسة ، والتي طرحها الفصل السادس الموسوم : ( الفاعلية المعلوماتية للأنترنت في الإتصال والإعلام )، فقد تم فيها دراسة الإنترنت من عدة اتجاهات ومحاور، أبرزها : الإنترنت واتجاهاته الوظيفية في الإتصال، وأشكال الإتصال عبر الأنترنت، والأنترنت وفضاء الجرائم العصرية، وجدل العلاقة والواقع الإتصالي بين الإنترنت والكتاب، ومديات حاجتنا إلى الإنترنت وضروراتها، ومسألة الأطفال وأساليب اتصالهم بالأنترنت، ومخاطر الإنترنت في الإتصال، وانتهت الدراسة في هذا المجال عند خطوات التعامل الإيجابي مع الإنترنت .
وقد ختم الكتاب دراسته وبحثه في القضية الأخيرة من قضايا الكتاب التي دارت في مدارات الصحافة والإعلام ودورهما في بناء الإنسان، حيث جاءت القضية السابعة في الفصل السابع المعنون : ( إعلام التلفزيون ومظاهره الإتصالية بجمهور الأطفال )، لتبحث في أبرز المسائل والمحاور المهمة والأساسية في هذا المجال، والتي منها : تمظهرات التلفزيون الحديثة، والعلاقة الإتصالية بين الطفل والتلفزيون، والإتجاهات الإيجابية، والإتجاهات السلبية للتلفزيون، وعلاقة التلفزيون بالخيال العلمي، والتلفزيون والإنحراف، والتلفزيون والعنف، والتلفزيون في البث الفضائي، والقنوات الفضائية وأساليب السيطرة والتحكّم، والفضائيات والغزو الإعلامي .. كما تعرضت أوجه الدراسة والبحث في هذه القضية إلى محاور ومسائل أخرى عديدة في هذا المجال، منها : الطفل بين الفضائيات الوافدة والفضائيات العربية، والطفل بين التوجيه الأسري والتوجيه التلفزيوني، ومسألة التلفزيون والترويج التجاري والإستهلاكي، والتلفزيون والتنشئة الأسرية، والتلفزيون ومظاهر الفيديو والسي دي، وقد انتهت هذه القضية عند دراسة ومناقشة قواعد المشاهدة الإيجابية للتلفزيون .
وختاماً، نأمل أن يجد هذا الكتاب صداه عند طلابه، ويحقق غاياته عند القاريء الكريم، الذي يهمّنا أن يستفيد ويفيد منه، وما توفيقنا إلا من الله العزيز الكريم، نحمده حمد الشاكرين، ونشكره شكر الحامدين، حمداً وشكراً لاينقطعان، على عونه ورعايته لنا في إتمام وإنجاز هذا الكتاب ..
أ. فاضل عباس الكعبي
Back to products

السياحة الوافدة - مبادئ واتجاهات
$17.50 السعر الأصلي هو: $17.50.$15.00السعر الحالي هو: $15.00.
دور الصحافة والإعلام في بناء الطفل
$15.00
عدد الصفحات: 192
سنة الطبع: 2017
نوع التجليد: كرتونية
رقم الطبعة: 1
لون الطباعة: ابيض
القياس (سم): 17×24
الوزن (كغم): 0.405
الباركود: 9789957184667
الوزن | 405 جرام |
---|---|
الأبعاد | 17 × 24 سنتيميتر |
رمز المنتج:
9789957-18-418-0
التصنيف: الصحافة و الإعلام
الوصف
منتجات ذات صلة
الإعلام الجديد – مفاهيم ونظريات
$15.00
الإعلام الجديد والمشاركة السياسية
$15.00
الإعلام الدولي ونقل الأخبار عبر الأقمار الصناعية
$10.00
النشر الإلكتروني
$12.50
محاكمة رئيس دولة إبان الاحتلال – دراسة حالة صدام حسين
مناهج البحث في الاتصال والإعلام
$40.00
نظريات الاتصال والاعلام في البيئة الرقمية
$30.00