تقديم
الأستاذ الدكتور يونس عمرو
رئيس جامعة القدس المفتوحة سابقا
منذ وجد الإنسان على هذه الأرض وهو يحاول عبر صراعه الطويل مع البيئة، أن يحافظ على بقائه الذي لا يمكن أن يدوم دون تحقيق متطلبات الحياة المتعلقة بإشباع الحاجات الأساسية من جهة، و النفسية والاجتماعية من جهة أخرى ،الذي يتمثل أكثر ما يمكن في المشهد القرآني الكريم في قوله تعالى:+الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.
ويحتل موضوع حقوق الإنسان في عصرنا الحاضر مكان الصدارة ، حيث أصبحت الأمم الراقية لا تقاس بتقدمها ونسبة المتعلمين فيها،وعدد الأسرة في مستشفياتها، أو بمدى اهتمامها بفئات التربية الخاصة فحسب، بل بمقدار ما توفره الدول لأفرادها من هامش لحرية التعبير عن أفكارهم وآرائهم ، دونما تقييد أو ترهيب من السلطات القائمة سواء أكانت هذه السلطات سياسية أم إدارية أم تربوية…
ولعل المتتبع لواقع حال الأمم والدول التي تبنت منهجاً ديمقراطياً سليماً في تعاملها مع قضاياها المهمة يلمس بوضوح قدرتها الكبيرة على معالجة أزماتها، وتحقيق أفضل مردود ممكن، بحكم الروح المعنوية العالية التي يتمتع بها مواطنوها جراء حصولهم على اهتمام عالٍ فيما يتعلق بحقوقهم والعمل على تلبيتها، و انعكاسه على مختلف مناشط الحياة ومجالاتها، وبخاصة لما يرتبط منها بالانتماء في خدمة الوطن والتفاني لأجله. فيما يقف التاريخ شاهداً على أمم قد اندثرت حضاراتها لمجرد مواجهتا أزمة معينة، ولكون تلك الجهات الحاكمة لم توفر لمواطنيها حسن الانتماء لوطنهم بل لاشتمالها على إستراتيجية تسحق بموجبها المبادرات الفردية بل والجماعية أيضاً ، ولا تضمن لهم حقوقاً أو امتيازات، فيما تثقل عليهم بالواجبات ويتحولون بذلك إلى قنابل موقوتة قابلة للاشتعال والانفجار.
من هنا يتأتى على المؤسسات التربوية الفاعلة توحيد جهودها وبلورتها باتجاه تنشئة أفرادها ضمن منظومة متكاملة من الحقوق التي تأخذ حقوق الإنسان باعتبارها ضمانة أكيدة نحو التطور والازدهار من جهة، ولما تضمنه من روح معنوية عالية لمواطنيها الذين يتنافسون فيما بينهم لتقديم أفضل ما يمكن لمجتمعهم .
إن ما قامت به جامعة القدس المفتوحة بتاريخ 3/12/2006 من عقد مؤتمر بعنوان”منظومة حقوق الإنسان في الحياة التربوية الفلسطينية” يأتي في إطار إثارة الاهتمام بهذا البعد المهم، الذي يحتاج إلى توحيد الطاقات وتوجيهها نحو إرساء معالم المجتمع المدني الذي لا تتوفّر شروطه دونما إعطاء الاهتمام الكافي بقضية حقوق الإنسان فكراً وتطبيقاً، وهذا يتطلب من الجامعات بذل مزيد من الجهود لتحقيقه ، باعتبارها تمثل القيادة التربوية للدولة، ونظراً لما تتمتع به من قدرات بحثية،ولما لها من قدرة في التأثير على خريجيها ككوادر مؤثرة في المجتمع، عدا عن إسهاماتها في بناء مقررات دراسية تشمل موضوع حقوق الإنسان كمنهج مستقل ، أو مدمج ضمن مواضيع ذات علاقة بها .
واستكمالاً لما بدأته جامعة القدس المفتوحة بإثارة الاهتمام بموضوع حقوق الإنسان بالحياة التربوية، سعت جاهدة لإخراج هذا الجهد إلى حيز الوجود، أملاً بتخطيط الأدب التربوي وتطويره ليشمل المعلم والطالب والمنهاج والأنشطة المرافقة الأخرى، بما يبعث الأمل نحو تحقيق نقلة نوعية ، على امتداد وطننا العربي الكبير بجغرافيته، والعريق بأصالته، والغني بعاداته وتقاليده التي تحترم الكبير وتؤثر الغير وتنصف المظلوم .
الأستاذ الدكتور يونس عمرو
رئيس جامعة القدس المفتوحة
المقدمة
تسعى دول العالم بمختلف توجهاتها السياسية والتنموية إلى تحسين سمعتها عبر تنفيذ برامج حقوق الإنسان من جهة ، والديمقراطية من جهة ثانية ، وتطويرها لدرجة أصبحت عظمة هذه الدول تقاس بمقدار ما تتيح للمواطن من حرية الرأي ومشاركته في صنع القرار ، وبما يضمن حقوقه في سائر المناشط والمجالات .
يتناول هذا الكتاب حقوق الإنسان في حياته التربوية لما للبعد التربوي من سعة انتشار، وقدرة في التأثير على النشء حتى يستلهم مبادئ حقوق الإنسان، ويتشربها المواطن بمختلف مراحل عمره، كي يكرسها في نفسه أولاً ومجتمعه ثانياً وأخيراً في بعدها العالمي.
يقع الكتاب في ثمانية فصول يتناول الفصل الأول منها أهمية الشباب ودورهم الفاعل في بناء مجتمعاتهم مما يتطلب تمكينهم من مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ضمن منظومة من التدخل الإيجابي بهدف إحداث تغيير منشود في سلوكياتهم.
ويبيّن الفصل الثاني دور التسامح والثقافة في بناء الحضارة الإنسانية وما تواجهه الحرية الثقافية من معيقات تتطلب تدخلاً شاملاً لاستلهام ثقافة التسامح .
ويستعرض الفصل الثالث حقوق الإنسان في التربية الإسلامية وبعض الفلسفات الغربية، والمقارنة بينهما، موضحاً نقاط القوة والضعف في هذا المجال.
ويتناول الفصل الرابع مجموعة من القضايا تركز على أنَّ سيادة القانون تبني حرية وتؤسس لتعليم ديمقراطي وتعزز الثقة بالإرادة وترفض الاحتواء ومنطق العجز .
ويعالج الفصل الخامس آلية إدماج مبادئ حقوق الإنسان في مقررات التاريخ والتربية الوطنية لجامعة القدس المفتوحة كنموذج.
ويبيّن الفصل السادس دور التربية في تعزيز حقوق الإنسان، والأسباب الكامنة وراء مشاركة الجامعات في الأنشطة الداعمة لها .
ويعالج الفصل السابع التربية والعليم باعتبارها مفتاحاً للتطور، نظراً لأهمية دور التربية والتعليم في العملية الديمقراطية بمختلف أبعادها مما يتطلب تقييم واقع المناهج الداعمة لذلك كماً وكيفاً .
أما الفصل الثامن والأخير فيتناول قيم التسامح في الممارسات التربوية بمختلف أبعادها المتعلقة بالثقافة العامة وأطراف العملية التعليمية إلى جانب الاهتمام بالأنشطة المرافقة للمنهاج .
آملين أن يسهم هذا الكتاب في تطوير الوعي التربوي المتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي تكريس ملامح المجتمع المدني لمجتمعنا العربي ومؤسساته بغية تحقيق أهدافه وطموحاته .
والله ولي التوفيق ،،
د.يوسف ذياب عواد
مدير منطقة نابلس التعليمية