شكر وتقدير
أقدم جزيل شكري وعظيم امتناني إلى عمي الأستاذ الدكتور محمود نادي عبيدات – أستاذ الحديث في جامعة أم القرى بمكة المكرمة – لتفضله بمراجعة هذه الطبعة من كتاب تاريخ الحديث ومناهج المحدثين، ولما أبداه من توجيهات سديدة، وملاحظات قيمة أخذنا بها في كتابنا هذا فجزاه الله عنا وعن المسلمين كل خير. كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأخ الدكتور حمدي مراد لتكرمه بمراجعته هذه النسخة وكتابة تقديم لها.
المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم حمدا يليق بمقامك وعظيم شأنك، فقد أكملت لنا ديننا، وأتممت علينا نعمتك، ورضيت لنا الإسلام دينا.
واصلي واسلم على نبيك الشاهد المبشر النذير، الداعي إليك بإذنك السراج المنير سيدنا محمد وعلى أهل بيته الأطهار الذين استنوا بسنته واهتدوا بهديه وساروا على خطاه فأذهبت عنهم الرجز، وطهرتهم تطهيرا، وفرضت حبهم على كل مسلم، فقلت وقولك الحق والصدق – في محكم كتابك الكريم: ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ (الشورى 23)
وأرض اللهم عن أصحاب نبيك الأخيار مصابيح الهدى الذين حملوا هذا الدين، وجاهدوا فيك حق الجهاد، وفتحوا القلوب قبل البلاد، فرفعوا راية الإسلام عالية خفّاقة تنشر الخير والسعادة والنور في كل بلد رفرف عليه لواء الإسلام وشعّ فيه نوره، فكانوا ومن تبعهم بإحسان خير أمة أخرجت للناس لأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وإيمانهم بالله.
فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، وإنما الأعمال بالخواتيم كذلك فنسأل الله عز وجل أن يثبتنا على دينه، ويحسن خاتمتنا، ويجعلنا ممن يتبعون سنته الشريفة، فأهل الحديث هم أهل النبي × ، وإن لهم لشرفا وفضلا:
أهل الحديث همو أهل النبي وإن
لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
وقد دعا لهم النبي بنضرة الوجوه، وقد أحسن من قال:
أهل الحديث طويلة أعمارهم
واخبرني بعض المشايخ إنهم
ووجوههم بدعا النبي منضّرة
أرزاقهم أيضا به مستكثرة
ولقد رغّب اليّ الدكتور محمود أن أقدم لكتابه «تاريخ الحديث ومناهج المحدثين» وهذا الموضوع- مجموعا بشقيه- لم يكتب فيه أحد – حسب اطلاعي وعلمي – على أن المعنيين بالحديث من أساتذة وطلاب يحتاجون إلى هذا الموضوع. وخدمة حديث النبي × تثقل الميزان بإذن الله تعالى. وقد جاء الكتاب يسدّ حاجة ذوي الاختصاص وغيرهم من محبي سُنة النبي× – والمؤلف مهم- فعلوم الحديث تخدم الحديث وتعرّف به وتسّهل الفائدة منه إذ ليس من السهل أن يفهم الحديث من غير علوم الحديث.
وقد حوى الكتاب تاريخ الحديث ومراحل تدوينه في عهد النبي × ، ثم في عهد الصحابة والتابعين إلى القرن العاشر مع ذكر أنواع المصنفات في الحديث. كما حوى فصلا كاملا في الجرح والتعديل الذي لا يستغنى عنه في معرفة الحديث، كما عرّف بأشهر المحدثين ومناهجهم في التأليف مع المقارنة، فجاء الكتاب محققا- بإذن الله – للقصد من تأليفه يضيف جديدا إلى المكتبة الإسلامية، فجزى الله صانعه خير الجزاء وسدّد خطاه ووفقه لخير القول والعمل.
وقد عرفت المؤلف الدكتور محمود سالم عبيدات منذ نشأته بحكم القرابة والقربة الواحدة، ودرّسته في المرحلة الجامعية الأولى (البكالوريوس) فكان حريصا على طلب العلم شغوفا به محبا له وما أن أنهى دراسته في هذه المرحلة حتى تاقت نفسه إلى ما فوقها فحصل على الماجستير ثم على الدكتوراه في موضوعي الدعوة والعقيدة فهما شهادتان لا واحدة. والدكتور محمود يطمح دائما ويتطلع إلى المزيد من العلم ولسان حاله (وقل رب زدني علما). وهو عصامي إلى حد كبير جمع بين العمل والدراسة بجد واجتهاد عرفتهما عن كثب وله بعض المؤلفات النافعة أن شاء الله بالإضافة إلى التزام مسلكي خلقي أحسبه كذلك والله حسيبه ولا ازكي على الله أحدا.
وآمُل أن لا تحول القربى بيني وبين إنصافه ببعض ما يستحق ولا أقول كل ما يستحق حتى لا يمدح محمود محمودا؟ وأرجوا أن يكون كل ما يصدر عنه محمودا ويقدره على المزيد من العطاء ويجعل ما يكون منه في ميزان أعماله وينفعه وينتفع به والحمد لله رب العالمين.
وكتبه: الدكتور محمود نادي عبيدات
جامعة أم القرى بمكة المكرمة
تقديم
الحمدُ لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وأفضل الصلاة وأصدق التسليم على من بعثه الله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وهديهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد شرفني الزميل الفاضل والأخ الكريم محمود عبيدات بمطالعة مخطوط له تحت عنوان «تاريخ الحديث ومناهج المحدثين» ولإبداء الرأي فيه والملاحظة عليه.. وبالفعل كببت عليه ليالَي عديدة وتأملته مليا وتتبعته تسلسلا علميا على ضوء ما ورد في عنوانه وقد فهمت من الأستاذ المؤلف أنه ألف الكتاب في ظلال منهج هذه المادة كما هي ورادة في مفردات مادة «مناهج الحديث» في كليات الشريعة في الجامعات الأردنية.. وعليه وجدت الأستاذ الكريم قد تابع هذا البحث بمنهج علمي دراسي جامعي يضع طالب العلم على الطريق ويأخذ بيده خطوات إلى الأمام تفتح أمامه آفاقا طيبة لتكون له زادا بعينه حقا على استيعاب هذا العلم الجليل عنه أئمة الحديث الإعلام وما نهجوه على هذا الدرب الطاهر الشريف وما بذلوه من جهود حق لهذه الأمة أن تعتز بهم فقد حباهم الله بالعلم الواسع والورع الفياض والهمم العالية وابتغاء مرضاة الله في كل ذلك.
نعم/ لقد استطاع الزميل المؤلف أن يكشف عن هذه الجوانب الأصلية التي تعزز في طالب العلم ثقته العالية بسلفنا الصالح وبعلماء أمتنا الأفذاذ في كل العصور وبخاصة حملة هذه السنة الشريفة الطاهرة التي حفظها الله بهمتهم وإخلاصهم … هذا بالإضافة إلى ما استخلصه وأبانه الزميل من مناهجهم الدقيقة في جوانبها المختلفة وأبعادها المتعددة… وما أنتجته من عطاء ونقاء للسنة المطهرة، وليس هذا بغريب عليه فهو الذي درج قلمه على مثل هذه البحوث العلمية والمنهجية التي أعمل فيها ما عنده من علم وجهد حتى تخرج في مضمون نافع وبخاصة في علم شائك دقيق كعلم الحديث الشريف ومناهج المحدثين وتاريخ الحديث.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد الطيب في ميزان حسناته وأن يجعله رفعة في درجاته وأن ينفع به ليكون صدقة جارية اللهم آمين.
والحمد لله رب العالمين
خادم السنة المطهرة
الدكتور حمدي محمد مراد
عميد كلية الدعوة وأصول الدين بالوكالة
أستاذ الحديث الشريف وعلومه
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد الله رب العالمين، أرسل رسوله محمدا × بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون. فبلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله سبحانه وتعالى.
ولما كان حديث رسول × هو المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، فقد دعا رسول الله × أصحابه إلى نقل وتبليغ ما يسمعون منه بأمانة ووعي، ووعد كل من يقوم بتبليغ حديثه صلى الله عليه وسلم كما سمعه بأن يجعل الله وجهه جميلا مشرقا يوم القيامة. قال × : «نَضَّرَ الله عبدا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأدّاها قربّ حامل فقه إلى غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ( )
كما حث × في خطبة حجة الوداع جميع أفراد الأمة، الإسلامية لتبليغ هذا الدين، وحمّل الشاهد أمانة إيصال ما سمع إلى الغائب، قال × « ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبّلغ من هو أوعى منه» وقال × «فَلْيُبَلّغِ الشّاهد الغائِب، فرُب مبَلِّغِ أوعى من سامع»( )
وبما أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا شديدي الحرص على حفظ الدين والعناية به فقد حفظوا حديث رسول الله × في صدورهم، وقام بعضهم بكتابة ما سُمع من رسول الله ×، ثم نقلوا ما سمعوه بأمانة وصدق إلى التابعين.
وقد قيض الله سبحانه وتعالى في كل عصر من العصور منذ عصر النبي × والى يومنا هذا طائفة من العلماء فنذروا أنفسهم لخدمة حديث رسول × ، فدونوه، وحفظوه، حتى وصل إلينا غضّاً كما تلقاه الصحابة رضوان الله عليهم عن النبي ×.
وبعد: فهذا كتاب مختصر في منهج المحدثين في كتبهم، حاولت فيه أن أبين الجهد الكبير الذي قام به السلف الصالح في جمع الحديث وتدوينه، وفرز الحديث الصحيح عن الحديث الضعيف، مع بيان الطريقة التي سلكها كل عالم في التحري والاستقصاء بحثا عن الحديث الصحيح، والمنهج الذي اتبعه في كتابه.
وبما أن الكتابة في هذا الموضوع تحتاج إلى جهد كبير وطول بحث وعناء، وأن منهج كل عالم يحتاج إلى كتاب بمفرده حتى يستوفي حقه، فقد قصرت هذا الكتاب على بعض هؤلاء العلماء الأجلاء الذين ذاع صيتهم، واشتهرت كتبهم بين الناس، راجيا من الله تعالى القبول، وأن ينفع به المسلمين، وأن يجعله في ميزان حسناتي إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
وقد قسّمت أبحاث الكتاب على النحو التالي:
1- تمهيد: تحدثت فيه عن معنى المنهج لغة واصطلاحا، وأهمية معرفة منهج العلماء.
2- الفصل الأول: تاريخ الحديث الشريف، ويقع في مبحثين:
المبحث الأول: تدوين الحديث وأطواره.
المبحث الثاني: أنواع المصنفات في الحديث.
3- الفصل الثاني: الجرح والتعديل.
4- الفصل الثالث: منهج المحدثين في كتبهم، تحدثت فيه عن بعض الأعلام من علماء الحديث وهم: أصحاب الكتب الستة، والإمام مالك بن أنس، والإمام أحمد ابن حنبل، والأمام الدارمي.
5- خاتمة: اشتملت على مقارنة بسيطة بين مناهج هؤلاء العلماء.
والله تعالى أسأل أن يديم النفع بهذا الكتاب، ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المؤلف