المقدمة
الحمد الله خالق الخلق الذي خص الإنسان بالنطق والبيان وهداه إلى سبيل الحق بالفرقان، والصلاة والسلام على سيد العباد خير الناطقين بالضاد رسول الهدى الداعي إلى المحبة الصافح عمن آذاه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه إلى يوم يلقانا ونلقاه وبعد.
فقد قال تعالى (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)التوبة ،105.
وقال رسوله الأعظم: «إن اللهَ يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».؟
وفي القولين دعوة واضحة إلى الإتقان في العمل؛ فأيةُ منزلة هذه لأمر يحث عليه الخالق ورسوله حتى أراده أن يكون سمة كل مؤمن ومؤمنة فينال عليه جزاءين: جزاء الدنيا ومثوبة الآخرة.
لذا فقد صار إتقان العمل قيمة تحث عليها شرائع السماء وأعراف أهل الأرض فكم من مرةِ نسمع قول عميل مستورد أو منتج مسوق: قدّموا النوع على الكم.
فصار الاهتمام بالنوع عنوان الجودة، والسعي وراء الجودة نزعه في الإنسان عرفها ابن الرافدين منذ آلاف السنين فتجلت واضحة في تشريعات حمو رابي إذ تضمنت: من بنى بيتاً فسقط على ساكنيه يعدم، وما مثل هذا النص إلا توكيد للجودة وحرص على النوع.
وإذا كان النصف الثاني من القرن العشرين مولداً للكثير من الاتجاهات الحديثة في التربية والتعليم التي تجسدت بالدعوة إلى تبني مفهوم الكفايات، والفعّالية في إعداد المتعلمين وطرائق التدريس، وتبني أسلوب النظم في بناء برامج التعليم فقد تتوج عقده الأخير بتبني مفهوم الجودة الشاملة في نظام التعليم بعد أن شاع استخدامه كفلسفة إدارية في المصانع والمؤسسات الإنتاجية منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وبعد أن أثبت جدوى اقتصادية عالية عند تطبيقه في المصانع والمؤسسات السلعية والخدمية.
وفي تسعينيات القرن العشرين شاع استخدام مفهوم الجودة الشاملة في مجال التعليم على الرغم مما بين المؤسسات التعليمية والمؤسسات الإنتاجية الصناعية من اختلاف من حيث طبيعة المنتج والمستهلك. أو المستفيد. فصار موضوع الساعة ثم صيحة القرن الحادي والعشرين والموضة التي تميزه مما سبق.
وقد تعددت البحوث والدراسات التي تناولت إدارة الجودة الشاملة في أمريكا وأوربا ثم البلدان النامية ومن بينها بلداننا العربية وأخص منها مصر والسعودية ودول الخليج والأردن بالذكر.
وتشير الأدبيات إلى أن نتائج البحوث والدراسات أظهرت بشكل لا غبار عليه جدوى تطبيق مفهوم الجودة الشاملة في التعليم.
غير أن الملاحظ على تلك الدراسات أن أغلبها تناول توظيف مفهوم إدارة الجودة الشاملة في التعليم العالي، أو الإدارة المدرسية، من دون تناول المستويات أو مجالات التعليم الأخرى.
ويبدو للمؤلف أن سبب ذلك سهولة قياس نتائج التطبيق المتمثلة بمخرجات التعليم العالي التي ستتوجه إلى سوق العمل، ولوجود هامش من الشبه بين السلع المنتجة وبين خريج الجامعة بوصفه سيذهب إلى سوق العمل فيكون منتجاً والسوق أو المؤسسة التي يعمل فيها مستفيدة.
أما تطبيقها في مجال الإدارة المدرسية من دون سواها من عمليات النظام التعليمي وعناصره، فيبدو للمؤلف أن الباحثين لجؤوا إلى هذا لأن إدارة الجودة في أصل مفهومها فلسفة إدارية، أو مصطلح إداري حديث وبذلك فهو صالح للاستخدام في العمليات الإدارية.
غير أن المؤلف يرى أن النظام التعليمي ككل يقتضي أن يدار على وفق نظام معين، وأن المنهج بمفهومه الواسع هو نظام فرعي من نظام التعليم له مدخلاته وله مخرجاته وعملياته وبذلك فإن به حاجة إلى عملية إدارية تلازم عناصره وعملياته بدءاً من التخطيط فالمدخلات والعمليات ثم المخرجات.
ولما كان المنهج وسيلة التربية في تحقيق أهدافها فلا بد له أن يتضمن ما يحقق أهداف التربية، ولما كانت أهداف التربية متغيرة متطورة تبعاً لتطور الحياة وتعقدها لا سيما في عصرنا الحاضر فقد ترتب على ذلك وجوب تطور أهداف المنهج وتغيّره وهذا ما يتواءم مع مفهوم الجودة الشاملة لكونه يقوم على أساس التحسين والتطوير المستمرين.
ولما كانت الجودة مطلباً في كل المهن والخدمات والمنتجات فالحاجة إليها تكون أكثر إلحاحاً في العملية التعليمية بوصفها أم المهن وتصب مخرجاتها في مدخلات أنظمة المهن كلها ولما كان المنهج هو محور العملية التعليمية فإن جودته تكون أساساً للعملية التعليمية والنظام التعليمي بأكمله، ومن هنا تمس الحاجة إلى إخضاع المنهج إلى مفهوم الجودة الشاملة تخطيطاً وبناءً وتنفيذاً وتقويماً.
وتأسيساً على ما تقدم حاول المؤلف في كتابة هذا توظيف مفهوم الجودة الشاملة في عمليات المنهج ومدخلاته وتقويم مخرجاته فجعل كتابه في سبعة فصول هي:
الفصل الأول: الجودة الشاملة مفهومها وتاريخها ونظمها. وقد عرض فيه مفهوم الجودة الشاملة والأفكار التي تقوم عليها، وتاريخها، وأنظمتها .
الفصل الثاني: جودة التربية. وقد عرض فيه مبادئ ديمينج في العملية التربوية، وكيفية تحسين جودة التعليم في قاعة الدرس، ومعايير الجودة في التعليم، وأهداف نظام ISO 9000 ، وتطبيق إدارة الجودة في التعليم.
الفصل الثالث: إدارة الجودة الشاملة في التعليم. وقد عرض فيه مضامين إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التعليمية، وخصائص إدارة الجودة الشاملة، وفوائد تطبيق إدارة الجودة الشاملة في التعليم، ومتطلبات تطبيقها في التعليم، ومبادئ إدارة الجودة الشاملة، وإدارة الجودة في الإطار التربوي ومؤشرات إدارة الجودة الشاملة، ومسؤوليات المؤسسة التعليمية في إدارة الجودة. ومعوقات تطبيق الجودة الشاملة في المؤسسات التعليمية.
الفصل الرابع: المنهج والجودة الشاملة. وقد عرض فيه مفهوم المنهج، وعوامل تطور مفهوم المنهج، والخبرات في المنهج، ومكونات المنهج بمفهومه الحديث. وعناصر المنهج التعليمي، وعناصر المنهج والجودة الشاملة.
الفصل الخامس: أسس المنهج ومعايير الجودة وقد عرض فيه الأسس الفلسفية، والأسس المعرفية، والأسس النفسية، والأسس الاجتماعية، ومعايير جودة الأهداف، ومعايير جودة محتوى المنهج والكتاب المدرسي، ومعايير جودة طرائق التدريس، ومعايير مراقبة العملية التعليمية، ومعايير جودة متابعة الخريجين.
الفصل السادس: تصميم المنهج والجودة الشاملة وقد عرض فيه: أنواع المنهج، والمبادئ التي يجب مراعاتها في تصميم المنهج، وعمليات المنهج وتصميماته المتمركزة حول المعرفة، وتصميماته المتمركزة حول المادة والمتعلم معاً، وتصميماته المتمركزة حول المتعلم، وتصميماته التي تتمحور حول المجتمع ومشكلاته، والعلاقة بين بناء المنهج والجودة الشاملة
الفصل السابع: تطور المنهج والجودة الشاملة. وقد عرض فيه: تنفيذ المنهج وتقويمه، وعملية تطوير المنهج، وأسس تطوير المنهج، وأساليب تطويره، وخطوات التطوير، والشروط اللازمة لنجاح عملية التطوير، وتطوير المنهج والجودة الشاملة.
