المقدمة
الحمد لله رب العالمين، خلق فسوى وقدر فهدى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبدالله الذي زكاه ربه وأعلى قدره وخلقه فقال(وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم: ٤ وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد:
فإن الأخلاق في كل أمة مادة بنائها وأساس تقدمها ورمز حضارتها، وثمرة عقيدتها وتتفاوت الأخلاق بين الأمم قليلا أو كثيرا بيد أنها تتقارب إلى حد ما بحكم ما بينها من قواسم مشتركة. وقد تكون هذه القواسم دينية نلمسها إذا دققنا النظر مثلا في القضايا الخلقية في الديانات الإلهية الكبرى من يهودية ونصرانية وإسلام فلا تكاد تختلف فيما بينها إلا في الحد الأدنى في هذا النطاق، وقد ترجع هذه القواسم إلى الاعتبارات الإنسانية فإن للطبيعة الإنسانية أثرا في تكييف بعض الموضوعات الخلقية إيجابا أو سلبا ولهذا لم يفصل لنا القرآن العظيم الطيبات والخبائث تاركا للطبع البشري السليم من الآفات تقدير ما يكون طيبا أو خبيثا قال تعالى ( ويحل لهم الطبيات ويحرم عليهم الخبائث) ومن هنا تغدو دراسة الأخلاق بعامة والأخلاق في الإسلام بخاصة مسألة على قدر من الأهمية في حق المسلم وغيره، وهي جديرة بان تثير في نفوس الطامحين للتغيير نحو الأفضل اهتماما خاصا فالتغيير المنشود إنما يبدأ من ساحة الأخلاق والله تعالى يقول (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) الرعد: ١١
وهذا الكتاب الذي نضعه بين يدي القارئ الكريم جاء متسقا مع الخطة الدراسية لمادة الأخلاق في الإسلام التي تعد متطلبا إجباريا ضمن مواد الخطة الدراسية الجامعية وقد أمل فيه مؤلفوه أن يوافي المطلوب ويحقق الأهداف المتوخاة من تدريس هذه المادة بما يقدمه من مادة تعليمية تضمنت المبادئ والأحكام والحقائق والمفاهيم مدعومة بالأدلة الشرعية مشفوعة بالمناسب من الآثار والحكم والأمثال والمواقف ذات العلاقة.
وقد جاء الكتاب في بابين جعل أولهما مدخلا إلى الآخر فتحدثنا فيه عن مفهوم الأخلاق وأهميتها وأسسها واكتسابها وخصائصها.
أما الباب الثاني فقد خصصناه لمعالجة الموضوعات الخلقية من فضائل ورذائل في عرض حققنا فيه التكامل بين وجهي الموضوع الخلقي الواحد فتناولنا الصدق مع الكذب والإيثار مع الأثرة والعدل مع الظلم وهكذا.
والله نسأل أن يكون عملنا هذا عملا نافعا ومتقبلا يفئ إليه طلبة العلم فيجــدون فيه بغيتهم ويستعين به العلماء فيتلمسون فيه ضالتهم ومن الله وحد نستلهم التوفيــــق والسداد انه أكرم مسؤول وأعظ مأمول
المؤلفون